دور الإعلام في غرس ثقافة التسامح في المجتمع

  الدكتور حسان أبو عرقوب

 

للإعلام دوره البارز في بناء ثقافة الناس، وتشكيل وعيهم، وتحديد توجهاتهم من مختلف القضايا، فهو سلطة على العقول والشعور.

ولم يعد الإعلام مخبراً عن الأحداث بل صار – إلى حد ملحوظ - موجهاً ومحرضاً، وهذا إذا نظرنا إلى مفهوم الإعلام الواسع من تلفزة وإذاعة ومواقع إلكترونية، ووسائل التواصل الاجتماعي المختلفة.

ومن الملاحظ ارتفاع وتيرة التعصب والعنف في المنطقة العربية، وكان هذا مصاحباً لارتفاع وتيرة خطاب الكراهية ونبذ الآخر، وما نراه في الدول العربية إن لم يكن التحريض الإعلامي من أهم أسبابه فهو من أهم أسباب بقائه. إذ لغة التعصب والخوف من الآخر وتخوينه وإلغائه لغة سائدة في كثير من وسائل الإعلام التي تبث بشكل مباشر أو غير مباشر خطابات الكراهية والعنف والإقصاء، والسؤال المهم هل تتماها وسائل الإعلام مع حالة الشعوب في الكراهية والعنف، أم أنها تصنعها وتغذيها؟

وإذا أضفنا لذلك ما لوسائل التوصل الاجتماعي من دور في تشكيل الرأي الجمعي ونشر الثقافة سنصل لنتيجة أكثر سوءاً، فإن القنوات الفضائية ربما تبث معاني الكراهية بحذر أو بذكاء ودهاء أو خبث، بينما الكلمات والرسائل في مواقع التواصل الاجتماعي صريحة وواضحة ومباشرة، وربما يجعلها أكثر وأسرع إثارة. فإن كانت القنوات الفضائية ربما تعمل على اللاوعي عند المشاهد، فإن وسائل التواصل الاجتماعي تعمل على الوعي والعاطفة.

كيف نعالج هذه الظاهرة السلبية؟لابدَّ من معالجة ظاهرة وجود التحريض وخطابات الكراهية المبطنة والمعلنة عن طريق الآتي:

1- رفع الحساسية تجاه خطابات الكراهية

لابد من أن يكون للقنوات ووسائل الإعلام المختلفة حساسية مفرطة تجاه خطابات العنف والكراهية ورفض الآخر، عن طريق ميثاق شرف أو حتى قانون، لأن تنامي هذه الخطابات أو حتى وجودها خنجر مسموم في صدر الأمة، يصعب أن تتعافى منه إلا بعد أن تدفع فاتورة باهظة الثمن من دماء الشعب وأمواله وأمنه واستقراره وبالتالي دخول التنمية لغرفة تشريح الموتى.

2- نشر الوعي بين الأفراد

أن تعمم تجربة رفع الحساسية وأن تنشر بين الأفراد، لضبط إيقاعهم على وسائل التواصل الاجتماعي، بالتنبيه عليها، ومناقشة إيجابياتها، وبيان سلبيات التعصب ورفض الآخر، ففي زيادة الوعي مقاومة للتطرف، وغالب الناس يتأثر بما يبث عبر القنوات، ثم لابد من ضبط وسائل التواصل الاجتماعي عن طريق قانون يجرم خطابات الكراهية وإثارة النعرات؛ لأنها تهدد السلم الأهلي.

3- الرأي والرأي الآخر

التنبه لشعار الرأي والرأي الآخر، حيث يستغل بشكل سلبي للغاية، فإننا وإن كنا نؤمن بهذا الشعار إلى حد بعيد، إلا أن تطبيقه يتم بشكل مسيء، فقبل أن نقدم للناس (الرأي والرأي الآخر) علينا أن نعلم الناس كيف يحترم الرأي والرأي الآخر وأن نأتي بالنماذج المعبرة عنه، فعلى سبيل المثال: بعض البرامج الحوارية التي بُنيت على هذا الشعار نجد أن ضيوف البرنامج يتشاتمون ويطعن أحدهم في الآخر ومذهبه ورأيه حتى تصل الأمور للضرب. وهذا يعزز بشكل واضح رسالة مفادها: لا حوار مع الآخر، وأن النتيجة لأي حوار هي الاحتراب.

4- انتقاء الضيوف

بناء على النقطة السابقة لا بد من حسن اختيار الضيوف التي تقدم الأفكار بموضوعية وتسامح واحترام للآخر؛ لأنه بناء على نظرية الغرس الثقافي ستكون لغة هذا النموذج المعتدل المتسامح بالتكرار النموذج المتبع، فالحوار الهادئ منتج ومؤثر ولا بد، ولو لم ينتج منه إلا رسالة مفادها احترام الآخر لكفى، وبالتكرار سيتعلم الناس أسلوب الحوار الصحيح. أما أن نأتي بالنماذج الإقصائية فالرسالة التي ستصل المشاهد سلبية حتماً، وسيتأثر الناس بها سلباً.

5- تقديم المصلحة العامة على الإثارة

ربما كان خطاب الكراهية والعنف والتعصب أكثر جاذبية وإثارة من الصوت المعتدل، وربما ترتفع نسبة المشاهد عند ظهور نماذج التعصب، لكن ثمرات هذا الظهور تسمم فكر المجتمع بشكل أو بآخر، وتغذي روح الانقسام والفرقة، لذلك لابد من تقديم المصلحة العامة للمجتمع والأمة على المصلحة الشخصية والأرباح المادية والمعنوية. فإذا تمت المحافظة على روح الوحدة ولو بأعداد مشاهدة أقل وأرباح أقل ستكون الفائدة التي تعود على المجتمعات أكبر. وربما تصير هذه الخطابات المعتدلة هي الأكثر قبولاً وجاذبية، وتقاطع الناس كل خطاب متطرف وعنيف.

6- التأكيد على المرجعية الموحدة للجميع

إن سكان أي دولة من الدول سيجدون على اختلاف أديانهم وأفكارهم ومذاهبهم مرجعية واحدة توحدهم وتجمعهم وهي الدستور التي تنبثق منه قوانين البلاد، والذي من المفروض أن يعكس روح الأمة في الوحدة والمساواة، فلا بد من التركيز على احترام الدستور الذي يعتبر المواطنين والمواطنات أمام القانون سواء، وهذه المساواة تعزز التسامح والعيش المشترك، وحينها ينطلق الناس في حواراتهم من خلال أرضية مشتركة فيكون الحوار منتجاً ومثمراً. أما انطلاق الحوار من خلال أرضيات متباينة فلن تجدي سبيلاً. وبهذا نعزز مفهوم الدولة ومفهوم المواطنة ومفهوم وحدة المجتمع، فالمشترك بين الجميع هو المواطنة والانتماء للوطن بالتساوي.

7- نقض ونقد أفكار المتعصبين

لا بد من تقديم خطاب يقوم بالعقل والمنطق والدين بنقد ونقض أفكار التعصب وإلغاء الآخر  لأن لأصوات التطرف قنوات ستبث منها لا محالة، وستجد آذان صاغية لمقولاتهم، فينبغي أن تتابع مثل هذه المقولات وأن تنقض مع الحذر الشديد من الترويج لها وبثها وتقديمها بشكل يؤثر على المتلقي، مع ملاحظة ألا يفسح المجال لرواد الفكر الإقصائي بالظهور وبث السموم الفكرية.

8- تقديم جوائز للقنوات والأفراد

من خلال تقديم جائزة للقناة التي تتميز بخاطبها التسامحي، أو البرنامج الذي يغلب عليه نشر روح التسامح، يمكن أن تنجذب بعض القنوات أو الأفراد لتغيير أو تحسين لغة الخطاب والمحتوى الذي يقدم، وستزيد جرعة التسامح عند من يتعاطاها.

9- نشر روح التسامح

بناء على نظرية ترتيب الأولويات على وسائل الإعلام أن تركز على إيجابيات التسامح مع توضيح معناه، عبر الوسائل والرسائل المختلفة، إذ البعض يفهم أن التسامح هو أنني أعفو عن الآخر وأتنازل له، وكأنني أتكرم عليه، والأمر ليس كذلك، فتوضيح المصطلح بداية الحل.

وإن من أهم إيجابيات التسامح التي يمكن أن تصاغ برسائل، وأن تصور بمشاهد تمثيلية تعبر عن مضمون هذه الإيجابيات الآتي:

أولاً- التنوع والاختلاف سنة كونية علينا التعامل معها لا إلغاؤها

الاختلاف من سنن الله في الكون، وهو شيء لا يمكن تغييره، بأن يصبح الناس على نسخة واحدة، فالتعامل الصحيح مع هذه الظاهرة يبدأ من قبول هذه السنة الكونية أي قبول الاختلاف والتنوع، وهذا القبول هو التسامح.

فالتسامح: هو احترام التنوع الثقافي، بالإقرار بحق الآخرين في التمتع بحقوقهم وحرياتهم الأساسية المعترف بها عالمياً. فهو القبول بالآخر، والاعتراف بوجوده وخصوصيته، وهذا فرع عن احترام سنة التنوع والاختلاف الكونية التي خلق الناس عليها.

ثانياً- التعصب طريق لمقاومة سنة الله الكونية في الاختلاف والتنوع ولا سبيل لهذه المقاومة.

التعصب يعني رفض الآخر وإلغاءه، أي محاولة مقاومة سنة الله الكونية في الاختلاف والتنوع وبالتالي تجاهل الحكمة التي تنوع الناس من أجلها، وهي أن تنشأ بينهم جسور التعاون والتكامل لعمارة الكون. فإن قاومنا هذه الحكمة- ولا نتيجة إيجابية لهذه المقاومة - نشأت الصراعات والنزاعات بين الأفراد والشعوب والأمم. ولا بديل عن التعاون والتكامل وقبول الاختلاف والتسامح، فالتسامح وقبول الآخر هو الحل الوحيد الذي ينتج عن كل محاولات الصراع والاحتراب والتناحر. (أوروبا مثلاً..دخلت في حربين عالميتين وكانت النتيجة نشوء الاتحاد الأوروبي.(

ثالثاً- التسامح طريق التكامل والوحدة

إذا قبل الإنسان بالآخر، وتعاون معه في المشترك الإنساني الرحب بينهما، تكاملت القوى والعقول، وتم توحيد الجهود، وبالتالي تنال الأمة القوة المادية والمعنوية، والعكس صحيح، فعدم قبول الآخر والتعصب للنسب أو القومية أو اللغة أو الدين لن ينشأ عنه إلا النزاع والاقتتال، مما يشتت العقول، ويصيب الأمم بالضعف واستنزاف القوة، وبالتالي تأخر التنمية.

رابعاً- في التسامح الكل رابح

 

إذا قبل الإنسان بأخيه الإنسان، واحترم وجوده وثقافته واختلافه معه، وتعاون وتكامل مع أخيه سيعيش الكل بأمان وسلام خارجي وداخلي، ويعم الأمن والأمان البلاد والعباد، وتنهض الشعوب والأمم وتحقق رفاهيتها التي تنشدها، وبذلك يربح الجميع. أما في حال التعصب والتشدد ورفض الآخر ستتشتت الجهود وتتفرق مما يضعف الأمة، والكل حينها خاسر