الْإِحْسَانُ مَعَ الْخِلْقِ

 

قال تعالى: (لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنَى وَزِيَادَةٌ وَلَا يَرْهَقُ وُجُوهَهُمْ قَتَرٌ وَلَا ذِلَّةٌ أُولَئِكَ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ) يونس: 26.

وقال الرّسولُ – صلّى الله عليه وسلم: (مَنْ نَفَّسَ عَنْ مُؤْمِنٍ كُرْبَةً مِنْ كُرَبِ الدُّنْيَا، نَفَّسَ اللهُ عَنْهُ كُرْبَةً مِنْ كُرَبِ يَوْمِ الْقِيَامَةِ، وَمَنْ يَسَّرَ عَلَى مُعْسِرٍ، يَسَّرَ اللهُ عَلَيْهِ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ، وَمَنْ سَتَرَ مُسْلِمًا، سَتَرَهُ اللهُ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ، وَاللهُ فِي عَوْنِ الْعَبْدِ مَا كَانَ الْعَبْدُ فِي عَوْنِ أَخِيهِ) رواه مسلم.

الْإِحْسَانُ مَعَ الْخَلْقِ هو بَذْلُ الْخَيْرِ وَالْمَنافِعِ مِنْ أَيِّ نوعٍ كانَ، وِلِأَيِّ مَخْلُوقٍ يَكُوْنُ، وهو مِنْ أَعْظَمِ الْأسبابِ الْجالِبَةِ لِكُلِّ خَيْرٍ؛ لِأَنَّ أَحَبَّ الناسِ إِلَى اللهِ أَنْفَعُهُمْ لِخَلْقِهِ، وَأنَّ أَضْدادَها مِنَ الأسبابِ الْجالِبَةِ لِكُلِّ شَرٍّ، وليس شيءٌ أعظمَ بعدَ طاعةِ اللهِ مِنَ الْإِحْسَانِ إِلَي خَلْقِهِ، وأنَّ الْإِحْسَانَ ليس مالا يُدْفَعُ فحسْبُ، بل كُلُّ عَمَلٍ ومَعروفٍ تُقَدِّمُهُ لِلْآخَرِ قَوْلا أو فِعْلا أو مالا فإِنَّهُ مِنَ الْإِحْسَانِ.

المحورُ الأوَّلُ: أَثَرُ الْإِحْسَانِ عَلَى الْفَرْدِ وَالْمُجْتَمَعِ.

أولا: لِتَقْديمِ الْإِحْسَانِ لِلْآخَرِينَ فَوائِدُ عَظِيمَةٌ تَظْهَرُ فِي تَماسُكِ بُنْيانِ الْمُجْتَمَعِ وَحِمايَتِهِ مِنَ الْخَرابِ وَالتَّهْلُكَةِ وَالْفَسادِ وَوِقايَتِهِ مِنَ الْآفاتِ الْاجْتِماعِيَّةِ، كما قال تعالى: (وَأَحْسِنْ كَمَا أَحْسَنَ اللَّهُ إِلَيْكَ وَلَا تَبْغِ الْفَسَادَ فِي الْأَرْضِ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ) القصص:77.

ثانيا: يَنْشُرُ رُوْحَ الْمَحَبَّةِ وَالتَّعاوُنِ بَيْنَ النَّاسِ، وَيُبْعِدُ عنهم الأَذَى وَالْفَحْشاءَ، وتَطْبِيقٌ لِأَمْرِ اللهِ سبحانه وتعالى الوارِدِ في قَوْلِهِ تعالى: (إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَان وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ) النحل:90.

ثالثا: وَسِيْلَةٌ لِإِزالَةِ الْكَدِرِ وَالْحِقْدِ وَالْحَسَدِ فِي نُفُوسِ الْعِبَادِ وإبْعادِهِمْ عَنِ الْوُقُوْعِ فِي الْمَعَاصِيْ وَالذُّنُوبِ.

رابعا: سَبَبٌ مِنْ أَسْبابِ تَقَدُّمِ الْمُجْتَمَعِ، لِأَنَّهُ يُؤَدِّي إِلى تَوْثِيْقِ الرَّوابِطِ وَتَوْفِيرِ التَّعاوُنِ.

خامسا: يَجْلِبُ مَحَبَّةَ اللهِ فِي الدُّنيا والآخِرَةِ، وأنَّ عاقِبَةَ الْإِحْسَانِ تَعُودُ عَلَى الْمُحْسِنِ، قال تعالى: (وَأَحْسَنُوا وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ) المائدة: 93.

المحور الثاني: ضَوابِطُ وآدابُ الْإِحْسَانِ مَعَ الْغَيْرِ

أولا: أَنْ تُحْسِنَ وتَبْتَغِيَ بِذلك وَجْهَ اللهِ تعالى وتَحْتَسِبُ الْأَجْرَ مِنْهُ، لا تَنْتَظِرُ ثَناءً وَلا شُكْرًا وَلا حَمْدًا مِنْ أَحَدٍ، قال تعالى: (بَلَى مَنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ فَلَهُ أَجْرُهُ عِنْدَ رَبِّهِ) البقرة:112.

ثانيا: الأَدَبُ الَّذِي يَنْبَغِي أنْ يَتَحَلَّى بِهِ الْمُحْسِنُونَ هُوَ عَدَمُ الْمَنِّ وَالْأَذَى، (قَوْلٌ مَعْرُوفٌ وَمَغْفِرَةٌ خَيْرٌ مِنْ صَدَقَةٍ يَتْبَعُهَا أَذًى) البقرة:263.

ثالثا: الْإِحْسَانُ فِي الْأَقْوالِ؛ لِأَنَّ اللهَ أَمَرَ بِالْإِحْسَانِ إِلَي النَّاسِ عُمُوْمًا: (وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْنًا) البقرة:83.

رابعا: إِذَا طَلَبْتَ مِنْ أَحَدٍ أَنْ يُحْسِنَ إِلَيْكَ فَاعْتَذَرَ فَلا تُلْحِقْهُ غَيْبَةً وبُهتانا، فقد يَكُونُ عاجِزا عَنِ الْإِحْسَانِ إِلَيْكَ أو لا يَجِدُ لِذلِكَ سَبِيْلاً، (مَا عَلَى الْمُحْسِنِينَ مِنْ سَبِيلٍ) التوبة:91.