نماذج من تٲويلات الٳمام ٲحمد لآيات وٲحاديث الصفات.

 

سٲلت عن بعض الٳخوة عن عقيدة الٳمام ٲحمد بن حنبل (رحمه الله) فيما يتعلق بآيات واحادیث الصفات هل كان  يؤولها ٲم يفوضها، فٲجبته كالآتي وبالله تعالی التوفیق:

بسم الله والحمدلله والصلاة والسلام علی رسول الله وآله واصحابه ومن والاه وبعد:

ٳنه ثبت بالاستقراء في بطون كتب علماء اهل السنة والجماعة من السلف والخلف ٲنه لا يوجد عالم ٳلا وقد اختار مذهب تٲويل آيات الصفات عند تفسيره لبعض لآيات الصفات  ٲو شرحه لٲحادیث الصفات، بشكل ٲو بآخر، قلَّ ٲو كثُر، ٲو فوَّض المعنی جملة وتفصيلا الیه تعالی من غير تفصيل، ومنهم الامام احمد بن جنبل (رحمه الله).

فقد كان التنزیه منطلقه في نفي الجسمية عن الله تعالی، وكان ينفي الجهة والحد والمكان عنه تعالی، ونراه كذلك  قد ٲوَّل ما جاء ما ظاهره مجيئ الله تعالی، بمجيئ قدرته تعالی دون ذاته العلية، كما ٲول ما ورد من مجيئ سُور القرآن الكريم يوم القیامة بمجيئ ثوابه الی صاحبه، وكل ذلك عین التٲويل الذي علیه جُل ٲهل السنة من الاشاعرة والماتريدية.

وٳليك ما يثبت من النقول الصحیحة الثابتة والموثقة بالمصادر وعلی النحو الآتي:

۱-  ما نقله الٳمام الحافظ ٲبو بكر احمد بن الحسين البيهقي الشافعي الٲشعري

المتوفی ٤٥۸هـ في كتابه (مناقب الٳمام احمد) عن الإمام أبي الفضل عبد الواحد بن عبد العزيز بن الحارث التميمي المتوفی ٤۱۰هـ رئيس الحنابلة ببغداد وابن رئيسها في حينه ٲنه قال : (( وأنكر (ٲي الٳمام أحمد) على مَن يقول بالجِسم، (ٲي لله تعالی) ، وقال: إن الأسماء مأخوذة من الشريعة واللغة، وأهل اللغة وضعوا هذا الاسم (الجسم) على ذي طول وعرض وسمك وتركيب وصورة وتأليف ، والله سبحانه خارج عن ذلك، فلم يجز أن يُسمى جسماً ؛ لخروجه عن معنى الجسمية ، ولم يجئ في الشريعة ذلك ، فبطل )) .

ينظر: اعتقاد الٳمام المبجل ابي عبدالله احمد بن حنبل ، لابي الفضل التميمي، مطبوع في آخر طبقات الحنابلة ج۲ ص۲۹۸. ومناقب الامام احمد للبیهقي بتقديم الكوثري ج۱ ص ۲۰.

۲- سئل الإمام أحمد (رضي الله عنه) عن الاستواء فقال : (( استوى كما أخبر لا كما يخطر للبشر )) ذكره الإمام أحمد الرفاعي في (البرهان المؤيد (ص 24) والإمام الحصني في (( دفع شبه من شبه وتمرد ونسب ذلك على السيد الجليل أحمد )) (ص 17) ، وذكره الامام الرملي في فتاويه والنفراوي في “الفواكه الدواني” والشيخ محمد بن سليمان الحلبي في نخبة اللآلى وغيرهم.

۳- قال الحافظ البيهقي في مناقب احمد أيضاً : (( وأنبأنا الحاكم ، قال : حدثنا أبو عمرو بن السماك ، قال : حدثنا حنبل بن إسحاق ، قال : سمعت عمي أبا عبد الله - يعني : الإمام أحمد - يقول : احتجوا عليَّ يومئذ ـ يعني : يوم نوظر في دار أمير المؤمنين - فقالوا :  (تجيء سورة البقرة يوم القيامة ، وتجيء سورة تبارك ) ، فقلت لهم : إنما هو الثواب ، قال الله تعالى : ( وَجَاءَ رَبُّكَ )(سورة الفجر من الآية: ۲۲) ، إنما تأتي قدرته ، وإنما القرآنُ أمثال ومواعظ )) انتهى. قال البيهقي : (( هذا إسناد صحيح لا غبار عليه ))، ثم قال : (( وفيه دليل على أنه كان لا يعتقد في المجيء الذي ورد به الكتاب ، والنزول الذي وردت به السنة .. انتقالاً من مكان إلى مكان ؛ كمجيء ذوات الأجسام ونزولها ، وإنما هو عبارة عن ظهور آيات قدرته ؛ فإنهم لما زعموا أن القرآن لو كان كلام الله وصفة من صفات ذاته لم يجز عليه المجيء والإتيان .. فأجابهم أبو عبد الله بأنه إنما يجيء ثواب قراءته التي يريد إظهارها يومئذ ، فعبر عن إظاهره إيَّاها بمجيئه . وهذا الجواب الذي أجابهم به أبو عبد الله لا يهتدي إليه إلا الحُذَّاقُ من أهل العلم ، المنزهون عن التشبيه )). وينظر كذلك: مقدمة (الٲسماء والصفات) للحافظ البیهقي مع تعلیقات الشيخ محمد زاهد الكوثري ج۱ص۳۱-۳۳ ط۱، دار التقوی، دمشق، ۱٤٤٥هـ ، ۲۰۲٤م. والبداية والنهاية لابن كثير:(٣٢٧/١٠)حيث نقله.

٤- ونقل أبو الفضل التميمي كذلك  في كتاب (اعتقاد الإمام أحمد) (ص 38 -39) عن الإمام أنه قال : (( والله تعالى لا يلحقه تغير ولا تبدل ولا تلحقه الحدود قبل خلق العرش ولا بعد خلق العرش ، وكان ينكر- الإمام أحمد – على من يقول إن الله في كل مكان بذاته لأن الأمكنة كلها محدودة )) اهـ

٥- وبين الإمام الحافظ ابن الجوزي الحنبلي في كتابه (( دفع شبه التشبيه )) (ص 56) براءة أهل السنة عامة والإمام أحمد خاصة من مذهب المشبهة وقال: (( وكان أحمد لا يقول بالجهة للبارئ ))آهـ.

٦- وقال الحافظ ابن الجوزي فيه ٲيضا: "وكذلك قوله تعالى: (وَجَاء رَبُّكَ )، ذكر القاضي أبو يعلى عن الإمام أحمد بن حنبل أنه قال: في قوله تعالى: (أَن يَأْتِيَهُمُ اللّهُ) (سورة البقرة) ، قال: المراد به: قدرته وأمره، قال: وقد بينه في قوله تعالى:(أَوْ يَأْتِيَ أَمْرُ رَبِّكَ )، ومثل هذا في التوراة، (وَجَاء رَبُّكَ )، قال: إنما هو قدرته.اهـ وقال: " والواجب على الخلق اعتقاد التنزيه وامتناع تجويز النقلة وأن النزول الذي هو انتقال من مكان إلى مكان يفتقر إلى ثلاثة أجسام: جسم عالي وهو مكان لساكنه، وجسم سافل، وجسم منتقل من علو إلى سفل وهذا لا يجوز على الله عز وجل. اهـ ثم قال: ومنهم من قال يتحرك إذا نزل، وما يدري أن الحركة لا تجوز على الله تعالى، وقد حكوا عن الإمام أحمد ذلك وهو كذب عليه". اهـ

۷- وذكر في صحيفة 144 من الفتاوى الحديثية لإبن حجر الهيتمي المُتوفّى سنة 973 هجرية : عقيدة إمام السُنّة أحمد بن حنبل: هي عقيدة أهل السُنّة والجماعة من المبالغة التامّة في تنـزيه الله تعالى عمّا يقول الظالمون والجاحدون عُلُوّا كبيرا مِن الجهة والجسمية وغيرهما مِن سائر سمات النقص بل وعن كل وصف ليس فيه كمال مُطْلق، وما اشتُهِرَبين جهلة المنسوبين إلى هذا الإمام الأعظم المجتهد مِنْ أنّه قائل بشيء مِن الجهة أو نحوها فكذب وبهتان وافتراء عليه فلَعن اللهُ مَنْ نسبَ ذلك إليه أو رماه بشيء من هذه المثالب التي برّأه الله منها” اهـ.

۸- قال القاضي بدر الدين بن جماعة في كتابه (( إيضاح الدليل في قطع حجج أهل التعطيل (ص 108) إن الإمام أحمد كان لا يقول بالجهة للبارئ تعالى ))اهـ.

۹- وقال المحدث الفقيه بدر الدين الزركشي في كتابه (تشنيف المسامع ج٤ص٦٤۸): " ونقل صاحب الخصال من الحنابلة عن أحمد أنه قال عن من قال جسم لا كالأجسام كفر " اهـ.

۱۰- وذكر الإمام بدر الدين محمّد بن عبد الله الزركشي في كتابه (البرهان في علوم القرآن ج۲ ص۷۹-۸۰): "وممّن نُقل عنه التأويل عليّ وابن مسعود وابن عباس وغيرهم. وقال الغزالي في كتاب “التفرقة بين الإسلام والزندقة”: “إنّ الإمام أحمد أوّل في ثلاثة مواضع”. وأنكر ذلك عليه بعض المتأخرين، قلت: وقد حكى ابن الجوزي عن القاضي أبي يعلى تأويل أحمد في قوله تعالى: ( أوْ يَأْتِيَ رَبِّكَ)،قال: وهل هو إلاّ أمره، بدليل قوله: ( أوْ يَأْتِيَ أَمْرُ رَبِّكَ )واختار ابن برهان وغيره من الأشعرية التأويل، قال: ومنشأ الخلاف بين الفريقين: أنه هل يجوز في القرآن شئ لا يعلم معناه؟ فعندهم يجوز، فلهذا منعوا التأويل، واعتقدوا التنزيه على ما يعلمه الله.

وعندنا لا يجوز ذلك، بل الراسخون يعلمونه. قلت: وإنما حملهم على التأويل وجوب حمل الكلام على خلاف المفهوم من حقيقته لقيام الأدلة على استحالة المتشابه والجسمية في حق البارئ تعالى" اهـ.

۱۱- وذكر ذلك ايضا الٳمام فخر الدين الرازي في (أساس التقديس ج۱ ص٦۸)فقال: "الثالث نقل الشيخ الغزالي (رحمه الله) عن أحمد بن حنبل (رحمه الله) أنه أقر بالتأويل في ثلاثة أحاديث: أحدهما قوله عليه السلام ( الحجر يمين الله في الأرض ) وثانيهما قوله عليه السلام ( إني لاأجد نفس الرحمن من قبل اليمين) وثالثهما قوله عليه السلام حكاية عن الله عز وجل ( أنا جليس من ذكرني ) ...ثم قال الرازي: رُوي عنه عليه السلام أنّه تأتي سورة البقرة وآل عمران كذا وكذا يوم القيامة كأنّهما غمامتان. فأجاب أحمد بن حنبل رحمه الله، وقال: يعني ثواب قارئهما، وهذا تصريح منه بالتأويل".اهـ

۱۲- وورد في  الفتوحات الربّانية على الأذكار النووية للمحدث محمد بن علاّن الصدّيقي الشافعي الأشعري المكّي المتوفّى سنة 1057هـ في باب الحثّ على الدعاء والإستغفار في النصف الثاني من كلّ ليلة ما نصّه: "وأنّه تعالى منـزّه عن الجهة والمكان والجسم وسائر أوصاف الحدوث، وهذا معتقد أهل الحقّ ومنهم الإمام أحمد وما نسبه إليه بعضهم من القول بالجهة أو نحوها كذب صراح عليه وعلى أصحابه المتقدمين كما أفاده ابن الجوزي من أكابر الحنابلة ". الفتوحات الربّانية على الأذكار النووية لابن علان الصديقي

ج۲ص۱۹٦.

فثبت بذلك ان الامام احمد (رضي الله عنه) كذلك كان من المؤولة، وٳن كان ٲقل من غيره، لكن حاله حال غيره من ائمة اهل السنة والجماعة من السادة الٲشاعرة والماتريدية في التٲويل في مواطن والتفويض في مواطن وحسب المقام، ونفي كل معنی يؤدي الی التشبیه والتجسيم (رضوان الله علیهم وعلینا ببركاتهم اجمعین).

===

ٲ.د. حسن الشيخ خالد المفتي الٲشعري الشافعي النقشبندي الشهرزوري الحسيني، اربیل، كوردستان، العراق

٦ شعبان ۱٤٤٥هـ ۱٦-۲-۲۰۲٤م