النوروز بين الخلفاء والفقهاء.. دراسة تحليلية مقارنة

هناك خاصية متميزة في الإسلام وهو أنه دين ديناميكي واقعي يفي بمتطلبات الدنيا والآخرة معاً، ولكنه في الوقت نفسه لا يسمح بالمؤثرات والفلسفات الأخرى أن تكون جزءاً من بنيته أو نسيجه، أي بعبارة أخرى أنه دين يبني مرتكزاته العقدية على الأصالة فحسب، ويبني متغيراته على الأصالة والمعاصرة معاً.

فالعقيدة والأحكام والأخلاق فيه ثابتة ثبات الجبال الشامخات، والفقه والمعاملات فيه متغيرة بتغيير الزمان والمكان. ومع ذلك فإنه يرافض رفضاً قاطعاً إجراء عمليات تغيير جذرية أو راديكالية تمس جوهره كما حدث لأديان أخرى سماوية وأرضية، هذه الميزة أو الخاصية أكسبته مرونة طيلة تاريخه الذي يمتد لأكثر من ألف وأربعمائة عام. فلا عجب أن تنادت أصوات نشاز من بين أتباعه بإحداث تغيير في هذا السياق ليشمل تغيير القاعدة الكلية الآنفة الذكر، ولكنه كان على الدوام يلاقي معارضة صلبة، لأنه لو حدث تغيير بنيوي فيه على غرار بعض الأديان الأخرى السماوية وغير السماوية التي أصبحت إلى حد ما توقيفية، لأصبح ديناً بالأسم فقط جوهره يحوي شذرات من الوحي ممزوج بالفلسفة والأفكار الأخرى على غرار اليهودية والنصرانية.

ولما كان نوروز عيداً شرقياً شمل أمماً وطوائف كثيرة تمتد جغرافياً من هضبة البامير والتبت شرقاً مروراً بالهضبة الإيرانية و كوردستان وإنتهاءاً بمصر النيل غرباً، لذا لا يستطيع الباحث أن يحدد أمة أو عرقاً بعينه صاحب هذا العيد، ولكن الفرس بما لهم من حضارة عريقة قبل الإسلام: العهد الأخميني (529-331 ق.م) والعهد الفرثي – الأشكاني- ملوك الطوائف (250-226 ق.م) والعهد الساساني (226ق.م - 650م) استطاعوا استغلال هذا العيد وهذه المناسبة وجعلها حكراً على جنسهم، لأن غالبية الأمم الأخرى من: كٌورد، و بلوش، وبشتون، وصغد، وطاجيك، كانوا يعتبرون من رعاياهم، لذا عدوا النوروز رأس السنة الفارسية.

 

موقف الاسلام من النوروز

وبخصوص موقف الإسلام من النوروز فهناك اختلاف بين نظرة الصحابة ومن بعدهم الفقهاء وموقف الخلفاء الامويين والعباسيين منها، فهذا الموقف نابع من الالزاوية الفكرية والايديولوجية التي كان الفقهاء ينظرون بها الى هذه الظاهرة، فيما كانت نظرة الخلفاء نظرة عملية تعتمد على زيادة دخل الدولة الاقتصادي، فهذا يبدو حتى في موقف بعض ولاة الخليفتين الراشدين الثالث والرابع عثمان بن عفان ( رضي الله عنهما)، فيما كان موقف عمر بن الخطاب واضحاً كل الوضوح في منع الاحتفال بهذه المناسبة أو أخذ الهدايا، أو استيفاء الخراج من الرعية.

وبشأن موقف النبي محمد( صلى الله عليه وسلم) من النوروز والمهرجان، فعن أنس - رضي الله عنه - قال: "قدم النبي - صلى الله عليه وسلم - المدينة، ولهم يومان يلعبون فيهما، فقال: (ما هذان اليومان) ؟ قالوا: كنا نلعب فيهما في الجاهلية. فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قد أبدلكم الله بهما خيرا منهما: يوم الأضحى، ويوم الفطر" رواه أبو داود.

واليومان اللذان يلعبون فيهما: وهما: يوم النيروز، ويوم المهرجان. كذا قاله الشراح. وفي القاموس المحيط للفيروزآبادي: النيروز: أول يوم السنة معرب نوروز. والنوروز مشهور، وهو أول يوم تتحول الشمس فيه إلى برج الحمل، وهو أول السنة الشمسية، كما أن غرة شهر المحرم أول السنة القمرية.

وأما مهرجان، فالظاهر بحكم مقابلته بالنيروز أن يكون أول يوم الميزان، وهما يومان معتدلان في الهواء، لا حر ولا برد، ويستوي فيهما) الليل والنهار،

فكان الحكماء المتقدمين المتعلقين بالهيئة اختاروهما للعيد في أيامهم، وقلدهم أهل زمانهم ; لاعتقادهم بكمال عقول حكمائهم، فجاء الأنبياء، وأبطلوا ما بنى عليه الحكماء. فقال: ما هذان اليومان؟ قالوا: كنا نلعب فيهما) أي: في اليومين. (في الجاهلية) أي: في زمن الجاهلية قبل أيام الإسلام.

(فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قد) للتحقيق. (أبدلكم الله بهما خيرا): الباء هنا داخلة على المتروك، وهو الأفصح أي: جعل لكم بدلا عنهما خيرا (منهما) أي: في الدنيا والأخرى، وخيرا ليست أفعل تفضيل; إذ لا خيرية في يوميهما.  (يوم الأضحى ويوم الفطر) : وقدم الأضحى ; فإنه العيد الأكبر قاله الطيبي. نهي عن اللعب والسرور فيهما أي: في النيروز والمهرجان، وفيه نهاية من اللطف، وأمر بالعبادة ; لأن السرور الحقيقي فيها. قال الله تعالى: {قل بفضل الله وبرحمته فبذلك فليفرحوا}، [يونس: 58]

أما الاثار التي ترجع الى عهد الخلفاء الراشدين والصحابة حولها وفحواها: "وبالإسناد إلى أبي أسامة، عن حماد بن زيد، عن هشام عن محمد بن سيرين قال: (أتي علي (رضي الله عنه) بهدية النيروز. فقال: ما هذه؟ قالوا يا أمير المؤمنين هذا يوم النيروز. قال فاصنعوا كل يوم نيروزاً. قال أبو أسامة: كره رضي الله عنه أن يقول: نيروزاً"(ابن تيمية: إقتضاء الصراط المستقيم لمخالفة أصحاب الجحيم، تحقيق وتعليق ناصر بن عبد الكريم العقل، مكتبة الرشد الرياض، الطبعة الثانية، 1411 هـ-1991م، ج1، ص458).

وأما قول شيخ الاسلام ابن تيمية (المتوفى سنة 728هـ/1328م) بخصوص كره الخليفة الراشد الرابع علي بن أبي طالب(رضي الله عنه) لموافقتهم في لفظ عيد النيروز الذي ينفردون به، فكيف يوافقهم في العمل. يبدو أن محقق الكتاب أشار إلى هذه النقطة في الهامش في معرض التعليق بقوله: لقد ذكر المحدث البيهقي( المتوفى سنة458هـ/1066م) في سننه الكبرى تحت لفظ فيروز، ربما كره الإمام علي أن يقول نيروزاً - حسب تعليل أبي أسامة - فقال: فيروزاً.

ومن المعلوم أن لفظة فيروز ترد في اللغتين الكوردية والفارسية بمعني مبارك، أي أنت عندما تبارك لشيء ما تقول له باللغة الكوردية (بيروزبت - مبارك عليك)، فضلاً ان بعض الملوك الفرس وبعض الشخصيات الكوردية والفارسية جاء إسمها بلفظة (پيروز)، وعندما يحاول النحاة العرب تعريب كلمة (پيروز) فإنهم يغيرون الپاء الكوردية والفارسية المثلثة إلى الفاء. فتتحول كلمة پيروز إلى فيروز.

ورغم ذلك قال البيهقي في شرحه لهذا الأثر وفي هذا: "الكراهة لتخصيص يوم بذلك لم يجعله الشرع مخصوصاً به" ، أما شيخ الإسلام ابن تيمية فعلق على ذلك قائلاً: " وأما علي رضي الله عنه، فكره موافقتهم في إسم يوم العيد الذي ينفردون به، بكيف بموافقتهم في هذا العمل". يبدو أن هناك تصحيفاً في كلمة الفيروز؛ ولولا ذلك لما علّق عليها شيخ الإسلام ابن تيمية التعليق الآنف الذكر.

ومن جانب آخر فقد روي بإسناد صحيح عن أبي أسامة، حدثنا عوف، عن أبي المغيرة، عن عبد الله بن عمرو (ابن العاص) قال: "من بنى ببلاد الأعاجم، فصنع نيروزهم ومهرجانهم وتشبه فيهم حتى يموت وهو كذلك، حشر معهم يوم القيامة"( ابن تيمية: إقتضاء الصراط المستقيم لمخالفة أصحاب الجحيم، ج1، ص457).

وأما عبد الله بن عمر بن الخطاب فصرّح قائلاً: "من بنى ببلادهم، وصنع نيروزهم ومهرجانهم وتشبه بهم حتى يموت حشر معهم"( ابن تيمية: إقتضاء الصراط المستقيم لمخالفة أصحاب الجحيم، ج1، ص459).

حَدَّثَنَا عَبَّادٌ ، عَنْ سَعِيدٍ ، عَنِ الْحَسَنِ ؛ أَنَّهُ سُئِلَ عَنْ صَوْمِ النَّيْرُوزِ ؟ فَكَرِهَهُ، وَقَالَ : تُعَظِّمُونَهُ.  (مصنف ابن ابي شيبة).حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ ، قَالَ : أَخْبَرَنَا هِشَامٌ ، قَالَ : سُئِلَ الْحَسَنُ عَنْ صَوْمِ يَوْمِ النَّيْرُوزِ ؟ فَقَالَ : مَا لَكُمْ وَلِلنَّيْرُوزُ ؟ لاَ تَلْتَفِتُوا إلَيْهِ ، فَإِنَّمَا هُوَ لِلْعَجَمِ. (مصنف ابن ابي شيبة)

وعن أبان بن أبي عياش قال :" لقيت طلحة بن عبيد الله بن كريز الخزاعي ، فقلت له : قوم من إخوانك من أهل السنة والجماعة ، لا يطعنون على أحد من المسلمين ، يجتمعون في بيت هذا يوما ، وفي بيت هذا يوما ، ويجتمعون يوم النيروز والمهرجان ويصومونهما ، فقال طلحة : » بدعة من أشد البدع ، والله لهم أشد تعظيما للنيروز والمهرجان من غيرهم ، ثم استيقظ أنس بن مالك فوثبت إليه فسألته كما سألت طلحة ، فرد علي مثل قول طلحة كأنما كانوا على ميعاد". (البدع لابن وضاح)

والسؤال الذي يتبادل إلى الذهن: لماذا قبل الإمام علي هذه الهدية وقالوا اصنعوا كل يوما نيروزاً أو فيروزاً إذا صح قول التصحيف، لأنه لو أراد المنع أو حرّمه لكان قد قال قولاً يفي المطلوب بصورة لا لبس فيه.

وهذا ما حاول الباحث والاكاديمي السعودي (سفر الحوالي) في كتابه جاهداً التأكيد على حرمة الإحتفال بالنيروز والمهرجان واعتبار ذلك من الكبائر المحرمة، وكل واحدة من هذه الأمور منكر بعينه.( حكم الإحتفال بأعياد الكفار، ص13).

 

موقف الخلفاء من النوروز

ومن جانب آخر كانت هناك عادة دفع الضريبة من قبل الشعوب الخاضعة للدولة الفارسية الساسانية في عيدي النوروز والمهرجان، ولما جاء الإسلام ألغى هذه الضريبة باعتبارها غير شرعية، ولم يتم أخذها في خلافة الراشد الثاني عمر بن الخطاب (رضي الله عنه) الذي حطم الإمبراطورية الفارسية الساسانية وحدث أول احتكاك مباشر في عهده بين المسلمين الفاتحين والفرس السسانيين. ولكن يبدو أن بعض الولاة المسلمين في عهد الراشد الثالث عثمان بن عفان أخذ هدايا النوروز والمهرجان وهم كل من: الوليد بن عقبة بن معيط، وسعيد بن العاص، فلما تناه الخبر إلى الخليفة عثمان بن عفان كتب إليهما ينهاهما عن ذلك.( الصولي: أدب الكتابة، القاهرة 1922، ص220).

أما في عصر الخليفة الراشد الرابع علي بن أبي طالب فقد أخذ واليه على أصفهان (عمرو بن سلمة) هدايا النوروز مع الخراج. (الأصفهاني، أبو فتح: كتاب ذكر أخبار أصفهان، بيروت، 1970، ج1 ص72).

وفي العصر الاموي لما تولى معاوية بن أبي سفيان الخلافة في سنة 41هـ/661 م جعل هدايا النوروز والمهرجان ضريبة إلزامية وطلب من أهل سواد الكوفة دفعها، فبلغت قيمة الهدايا خمسين ألف درهم، كما كتب معاوية إلى عامله على البصرة عبد الرحمن بن أبي بكره أن يحمل إليه هدايا النوروز والمهرجان، فبلغت عشرة آلاف درهم.( اليعقوبي: تاريخ اليعقوبي، بيروت، 1995، ج2 ص218).

كما أن معاوية كان يرسل الهدايا الى ولاته، فقد أرسل ملابس غالية الثمن وأوانٍ فضية الى واليه سعيد بالعاص. الذي وزع قسماً منها على معارفه. ( الزمخشري، ربيع الابرار ونصوص الاخبار، ج5/ ص325 – 326).

وأثناء ثورة الصحابي عبدالله بن الزبير بن العوام ضد الدولة الأٌموية، فقد بلغت هدايا النوروز والمهرجان حوالي عشرين ألف درهم، ويرجع السبب في قلتها إلى الإضطرابات والفوضى التي عمّت منطقة الكوفة بسبب الفتنة الثانية.( الصولي: أدب الكتابة، ص219).

وفي عهد الخليفة الأموي عبد الملك بن مروان أظهر الحجاج بن يوسف الثقفي حرصاً شديداً على جباية الأموال للدولة الأموية لمكافحة الحركات المعارضة، فأعاد استلام هدايا النوروز والمهرجان مع الضرائب وبلغت قيمتها حوالي أربعين ألف درهم.( المصدر نفسه، ص219).

وعندما تولى الخليفة الأموي عمر بن عبد العزيز (99-101هـ) مقاليد الحكم أبطل رسوم وهدايا النوروز والمهرجان.

أما يزيد بن عبد الملك فقد أعاد هدايا النوروز، وأعاد الخراج الى سابق عهده وطلب من واليه على العراق (عمر بن هبيرة) مسح أراضي العراق تمهيداً لأ خذ الخراج سنة 105هـ/720م. ( اليعقوبي، تاريخ اليعقوبي، ج2/ ص313).

وفي العصر العباسي أعيدت هدايا ورسوم النوروز والمهرجان من جديد، سيما وأن أغلب وزراء العباسيين كانوا من الفرس، لذا فلا عجب أن حاولوا إحياء مظاهر أسلافهم القدماء.

وهذا ينطبق على الامارات الفارسية والديلمية والتركية التي تأسست في العصور العباسية تباعاً والذين كانوا يحتفلون بهذه المناسبة ويأخذون الهدايا من رعاياهم، وكان شعرائهم يشيدون بهذه المناسبة وهم: الطاهريون (205 – 259هـ)، والزيديون (250 – 316هـ)، والصفاريون(254 -298هـ) والسامانيون(261 – 389هـ)، والبويهيون ( 334 – 447هـ)،  والغزنزيون (366 – 579هـ)،  والزياريون (316 – 434هـ).

وفي العصر العباسي مثلما كان الخلفاء ينظرون الى المناسبات والاعياد الاسلامية، وكانت مواقفهم ى تختلف البتة مع كل من النوروز والمهرجان، حتى أن الشعراء كانوا يقارنون بين الأعياد الاسلامية وكل من عيدي النوروز والمهرجان، على سبيل المثال: أبو نواس(ت196هـ/812م)،  وابن الرومي (ت283هـ/897م)،  ومهيار الديلمي(ت428هـ/1037م).

ففي عهد المهدي(158 -169هـ) وعن طريق شعر الشاعر أو العتاهية تم تقديم هدايا غالية الثمن الى الخليفة بمنسبة النوروز والمهرجان، حيث اهدي له اناء كبير  من الزجاج، مع ملابس ناعمة وذات روائح فواحة. ( المبرد، ج2/ ص223).

يقول أبو ريحان البيروني: " في عهد هارون الرشيد تجمع مُلاّك الأراضي مرة أخرى، وطلبوا من يحيى بن خالد بن برمك أن يؤخر عيد النيروز ما يقرب من الشهرين.(كان التقليد القديم يقضي بأن تحتسب الأيام الكبيسة، فلما أبطل هذا التقليد بصورة تجعل القوم يحتفلون بعيد النيروز قبل جني المحصول. وكان هذا يضر بالمزارعين إذ كان لزاماً عليهم عند ذاك أن يدفعوا الضرائب المفروضة عليهم...". انظر: (إدوارد براون: تاريخ الأدب في إيران، ترجمه إلى الفارسية: علي باشا صالح، ترجمه إلى العربية: أحمد كمال الدين حلمي، تقديم: محمد علاء الدين منصور، المجلس الأعلى للثقافة، مصر، البابان الثالث والرابع، ج1، ص59 هامش 5).

وأراد يحيى أن ينفذ ما أرادوا، لكن خصومه تناقلوا الأقاويل حول هذا الأمر، وقالوا إن يحيى موالٍ للدين الزرادشتي، ونتيجة لهذا كف خالد عن هذا العمل ولم يعقب، وبقي الحال على ما كان عليه. (البيروني، الآثار الباقية عن القرون الخالية، ص37).

ويذكر شيخ المؤرخين محمد بن جرير الطبري (المتوفى سنة 310هـ/922م) في كتابه تاريخ الرسل والملوك أن" الخليفة العباسي المتوكل في يوم نوروز والسماجة (= التمثيل الهزلي) بين يديه وهم يقلدون الناس ويظهرون في أصوات مضحكة".

أما الخليفة المأمون (198 – 218هـ)  تم الغمل بالزيج المأموني من قبل أفضل فلكيي عصره وتم العمل بهذا الزيج الى أيام المتوكل، وعى ذلك تم الاقرار بأن النوروز يقع في  في برج الحمل (الخيام، ص59 ، 108).

كما اهديت للخليفة المعتصم (218 – 227هـ) هدايا عبارة عم جارية (شمائل) وقدح من حجر العقيق، ووضع على فوهته منديل معطر بروائح عطرة وهدايا أخرى.

وكان الخليفة العباسي المعتضد (782 – 845هـ/1380 – 1441م)، قد غير موعد النوروز من موعده الحالي الى الحادي عشر من شهر حزيران/ يونيو؛ لأسبابٍ اقتصادية، وفيها أحدث المعتضد النيروز الذي يقع فى اليوم الحادي عشر من حزيران و أنشأت الكتب إلى جميع العمّال فى النواحي والأمصار بترك افتتاح الخراج فى النيروز الذي كان للعجم... و أخّر افتتاح الخراج الى النيروز المعتضدي. (مسكويه، تجارب الامم وتعاقب الهمم).

 

موقف الشيعة من النوروز

أما بخصوص موقف فقهاء الشيعة من النوروز، فقد جاء في كتاب "البحار" للمحمد باقر المجلسي: قال معلى بن خنيس: دخلت على الصادق جعفربن محمد عليه‏ السلام يوم النيروز فقال عليه ‏السلام اتعرف هذا اليوم؟ قلت: جعلت فداك، هذا يوم تعظمه العجم وتتهادى فيه، فقال ابوعبدالله الصادق عليه ‏السلام.....فقال: يا معلى! ان يوم النيروز هو اليوم الذي اخذ الله فيه مواثيق العباد ان يعبدوه ولايشركوا به شيئا وان يؤمنوا برسله وحججه، وان يؤمنوا بالائمة عليهم السلام ... وهو اليوم الذي حمل فيه رسول الله صلى ‏الله‏ عليه ‏وآله امير المؤمنين علي عليه ‏السلام منكبه... هو اليوم الذي امر النبي صلى ‏الله‏ عليه ‏وآله اصحابه ان يبايعوا علياً عليه السلام بامرة المؤمنين، وهو الذي وجه النبي صلى الله‏ عليه وآله علياً الى وادي الجن يأخذ عليهم بالبيعة له، وهو اليوم الذي بويع لاميرالمؤمنين عليه ‏السلام فيه البيعة الثانية، وهو اليوم الذي ظفر فيه باهل النهروان(= 38هـ) وقتل ذا الثدية وهو اليوم الذي يظهر فيه قائمنا وولاة الامر وهو اليوم الذي يظفر فيه قائمنا بالدجال فيصلبه على كناسة الكوفة، وما من يوم نيروز الا ونحن نتوقع فيه الفرج، لانه من ايامنا وايام شيعتنا، حفظته العجم وضيعتموه. ( الشيخ الصدوق، من‌لایحضره‌ الفقیه، كتاب الشيعة).

ومهما يكن من أمر فهناك بون واسع بين اتجاهات الصحابة والفقهاء وبين عمل الكثير من الخلفاء الامويين والعباسيين وولاتهم على الاقاليم الاسلامية، قد يكون العامل الاقتصادى هو المحرك الرئيسي، ولكن هناك عوامل أخرى  لا تقل عن هذا شأناً، وهي العوامل الاجتماعية والثقافية والادارية ، بل وحتى الدينية.