نداء من اتّحاد العلماء حول توجّهات المنظّمات المتطرّفة

بسم الله الرّحمن الرّحيم

(وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا)

(فَمَنِ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ)

نداء من اتّحاد علماء الدّين الإسلامي في كوردستان

أيّها الإخوة والأخوات، أيّها الآباء والأمّهات، أيّها الشباب والشّابّات:

إنّ جماعة دّاعش المتوحّشة قد بدأوا فعلاً بتنفيذ مخطّطاتهم الهدّامة، انكشفت تماماً مؤامراتهم ضدّ الإسلام والمسلمين، وقد أشعلوا نار الفتنة والعداء بين المواطنين بكلّ طوائفهم ومذاهبهم.

إنّ دّاعش قد جاؤا بدينٍ جديدٍ إلينا بعد أنْ دخل شعبنا والشّعوب الإسلامية كلّها الدّين الإسلامي الحقّ منذ عشرات القرون، جاؤا بمعتقدات مبتدعة هدّامة ليس شئ منها في الإسلام، ولا حظّ لهم من الإسلام سوى الإسم.

هؤلاء يكفّرون كلّ مسلم بدعاوى ضعيفة لا دليل عليها من الكتاب والسّنّة، ويستحلّون دماء وأعراض وأموال المسلمين وغيرهم من كلّ مواطن عراقيّ كما يشاهد منهم جهارًا ليل نهارٍ.

والملاحظ أنّه لا يوجد من بينهم العلماء وأهل العلم، ومع الأسف فإنّ أكثرهم من المراهقين المغرّر بهم، وربّوهم متعطّشين لإراقة الدّماء ولاسيّما دماء المسلمين، ويرون غيرهم كفرة وخارجين عن الدّين ومشركين حلال الدّم والمال، ولهذا لا يمسكون أيديهم من قتل من نطق بالشّهادة ويؤّدي الصّلاة والصّوم ويلتزم بالمسجد.

إنّ الإسلام دين خالق الإسلام ومنهجه، أرسله لعباده رحمة بهم لهدايتهم وليعيشوا في سلام وأمن وعدالة، ولم يرسل دينه للعداوة مع عباده وقتلهم في الدّنيا وتعذيبهم في جهنّم يوم القيامة، بل ليسعدهم في الحياة الدّنيا، وليعيشهم في الآخرة في حياة وجنّة أبديّتين.

وإذا نظرنا إلى آيات القرآن الكريم وأحاديث الرّسول الأكرم صلّى الله عليه وسلّم نجدها كلّها مخالفًا لمعتقدات هؤلاء وتصرّفاتهم:

الإسلام لا يجيز قتل الأسير مهما كان كافرًا، لكنّ إرهابيوا دّاعش يقتلون الأسرى بالمئات من المسلمين وغيرهم، وكذا لا يبيح الإسلام أبدًا دم كلّ من قال: (لا إله إلاّ الله) وقد حاسب رسول الله (صلّى الله عليه وسلّم) بشدّة كلّ صحابيّ قتل مشركًا محاربًا بعد قوله: (لا إله إلاّ الله)، وهؤلاء يقتلون كلّ من يقول: (لا إله إلاّ الله).

ويحرم الإسلام ذبح الإنسان كالحيوان، بل حرّم الإسلام ذبح الحيوان المأكول اللحم إذا لم يأكل لحمه، وقد حرّم الرّسول (صلّى الله عليه وسلّم) قتل كلّ حيوانٍ كبيرٍ أو صغيرٍ حتّى النّملة إلاّ الحيوان المضرّ القاتل،والدّاعش يذبحون الإنسان بأبشع الصّور ويصيحون مع ذلك (الله أكبر)، وذلك ليشينوا صورة الإسلام الحنيف أمام الأعين ويبعدوا النّاس منه.

والإسلام حرّم قتل النّساء والصّبيان والشّيوخ مهما كانوا من أقارب المحاربين وأيّام الحرب معهم، والدّاعش قتل الآلاف منهم بتفجيراتها وأساليبها الوحشية المختلفة.

الإسلام لا يأخذ الجزية من أهل الكتاب وغيرهم الذين يعيشون مع المسلمين كمواطنين، والجزية ليست ممّا فرضه الإسلام، بل هي في يد الحاكم ورأيه حسب المصلحة وجودًا وعدمًا، وإن أخذت فتؤخذ بعد الحرب بصلحٍ أو هدنة مع من يعتدون على الإسلام والمسلمين لا من المواطنين الّذين يعيشون معهم، وهي مبلغ قليل رمزي، ولا تؤخذ إلاّ من الرّجال الأقوياء الأغنياء، وما فرضه الدّاعش من فرض الجزية على المسيحيّين في مدينة الموصل وغيرها ليس إلاّ جهالاتهم وضلالاتهم، فأخذوا الجزية من المواطنين السّالمين الّذين اعتدى عليهم الدّاعش.

والإسلام لا يكره أحدًا على الدّخول في الإسلام، ولو أكره الإسلام أهل الأديان على الدّخول فيه لما يوجد في البلاد الإسلامية وخلال الحكم الإسلامي القويّ فاليهودي ولا المسيحي ولا غيرهم، ولما وجدت معابدهم إلى الآن، وهم يكرهون النّاس على الدّخول في الإسلام وهذا ما لا يتوافق مع سماحة الإسلام وتأريخه المشرق.

والإسلام لم يأمر بهدم أيّ قبر في آية قرآنية ولا في حديثٍ واحدٍ ولاسيّما قبور الأنبياء والأولياء، وقال النّبيّ صلى الله عليه وسلّم في الحديث الصّحيح: (الأَنْبِيَاءُ أَحْيَاءٌ فِي قُبُورِهِمْ) رواه أبو يعلى، وقال: (كَسْرُ عَظمِ الميِّتِ ككَسرِهِ حيّاً) رواه أبو داود والتّرمذي وأحمد، بل نهى عن الجلوس على القبر وقضاء الحاجة عنده، وذلك لئلاّ يتأذّى ساكن القبر، بل أمر في أحاديث صحيحة المسلم إذ مرّ بالقبور أن يسلّم عليهم ويزور ساكنيها، وهذا دليل واضح على أنّ أرواح الأموات تشعر وتحسّ بكلّ شئ كما يشعر الأحياء.

ومن أوضح الأدلّة أنّ قبور الأنبياء والأولياء كانت موجودة في البلدان الإسلامية كلّها وعهود السّلف أيضًا، ولم يحدث قطّ أنَّ أي عالم إسلامي يقول النّاس من زيارتها، ولا أمر عالم قطّ بهدمها وطمس آثارها، ومدينة الموصل عاش فيها الصّحابة والأئمّة والعلماء الكبار ما لم يوجد في غيرها، وقد اشتهرت هذه المدينة بوجود مراقد الأنبياء والصّالحين منذ عهود السّلف ولم يُعلم قطّ أنّ أحدًا من السّلف والأئّمة طالبوا في يوم مّا بهدم تلك القبور أو منع النّاس من زيارتها.

وإذا رجعنا إلى التّأريخ نجد أنّ الصّحابة في عهد أمير المؤمنين عمر بن الخطّاب فتحوا مصر وكان فيها المئات من هياكل الفراعنة وجثامينها وأهراماتهم الّتي كانت أبرز رموز الوثنية، فلم يطالب صحابيّ واحد من الآلاف الّذين فتحوا مصر وعاشوا فيها أو زاروها بتحطيم تلك الهياكل، هذا مع أنّ الصّحابة كانوا أعلم الأمّة وأتقاها، وأكثر النّاس نهيًا عن المنكرات.

وهنا على المسلم أن يختار أحد القولين: إمّا أن يكون هؤلاء المتطرّفون في ظلالٍ في مسئلة القبور وهدم مراقد الأنبياء وتفجير المساجد. وإمّا أن تكون الأمّة كلّها بسلفها وخلفها وبصحابتها وأئمّتها على الشّرك والضّلال، ونعوذ بالله من هذا الظّنّ السّوء بالأمّة.

وينبغي ان نكون منتبهين كي لا نغترّ برفع الشّعارات الإسلاميّة وإطلاق الأسماء الإسلامية، حتّى أنّ الخوارج كانوا أكثر متشدّدين بالإسلام، وهذا ما قاله ابن عبّاس رضي الله عنه حينما رجع من زيارة معسكرهم: (فَأَتَيْتُهُمْ فَدَخَلْتُ عَلَى قَوْمٍ لَمْ أَرَ أَشَدَّ اجْتِهَادًا مِنْهُمْ أَيْدِيهِمْ كَأَنَّهَا ثِفَنُ الْإِبِلِ ووجوههم معلمة من آثَار السُّجُود"، ولَيْسُوا أَشَدَّ اجْتِهَادًا مِنَ الرُّهْبَانِ)، ولأنّ الرّسول صلّى الله عليه وسلّم قد أخبرنا أنّ مجرّد الشّعارات والتّديّن غير كافٍ، إذ يقول صراحة أنّ أناسًا يظهرون في آخر الزّمان يقرؤن القرآن، والحكم بالإسلام وشريعته شعارهم، لكن لا إيمان لهم، لأنّهم يحدثون الفوضى، ويكفّرون المسلمين، ويستحلّون دمائهم وأموالهم، ويطبّقون النّصوص الواردة في أعداء المسلمين على المسلمين، كما يقول النّبيّ صلى الله عليه وسلّم: (إّنَّ بَعْدِي مِنْ أُمَّتِي - أَوْ سَيَكُونُ بَعْدِي مِنْ أُمَّتِي - قَوْمٌ يَقْرَءُونَ الْقُرْآنَ، لَا يُجَاوِزُ حَلَاقِيمَهُمْ، يَخْرُجُونَ مِنَ الدِّينِ كَمَا يَخْرُجُ السَّهْمُ مِنَ الرَّمِيَّةِ، ثُمَّ لَا يَعُودُونَ فِيهِ، هُمْ شَرُّ الْخَلْقِ وَالْخَلِيقَةِ) رواه مسلم. ويقول أيضًا: (يَأْتِي فِي آخِرِ الزَّمَانِ قَوْمٌ، حُدَثَاءُ الأَسْنَانِ، سُفَهَاءُ الأَحْلاَمِ، يَقُولُونَ مِنْ خَيْرِ قَوْلِ البَرِيَّةِ، يَمْرُقُونَ مِنَ الإِسْلاَمِ كَمَا يَمْرُقُ السَّهْمُ مِنَ الرَّمِيَّةِ، لاَ يُجَاوِزُ إِيمَانُهُمْ حَنَاجِرَهُمْ، فَأَيْنَمَا لَقِيتُمُوهُمْ فَاقْتُلُوهُمْ، فَإِنَّ قَتْلَهُمْ أَجْرٌ لِمَنْ قَتَلَهُمْ يَوْمَ القِيَامَةِ) رواه البخاري.

فأمثال هذه الأحاديث كلّها تنطبق على كلّ من يتّصف بتلك الصّفات المذكورة فيها، وبهذه الأحاديث وغيرها أفتى أئمّة الشّريعة وعلماء الحديث بوجوب قتلهم على المسلمين كلّما ظهروا بالصّفات الّتي حذّر منها الرّسول صلى الله عليه وسلّم.

وعلاوة على هذه الأحاديث أفتى سائر العلماء من السّلف والخلف بقتل كلّ من أخاف المسلمين أو قطع الطّريق أو أظهر بدعة عقيدية فاسدة، مستدلّين بالايات الّتي تأمر بقتال وقتل البغاة وقطّاع الطّرق والخارجين على المسلمين.

وبناء على ما سبق لا يجوز لمسلم أن يتعاطف معهم أو يحبّهم أو يساعدهم بأيّة وسيلة كانت، ولا يجوز تأييدهم بأيّ نوعٍ كان، ومن فعل شيئًا من ذلك فقد شاركهم في عدائهم للمسلمين وفي تشيينهم للإسلام، بل لا يجوز لمسلم في كوردستان و غيرها أن يسكت عن جرائم داعش، ولاسيّما على العلماء والدّعاة، بل يجب عليهم بيان حقيقتهم للنّاس، وكشف تآمرهم على الإسلام، وتوضيح حكم القتال معهم، ويجب على الحكومة وعلى كلّ مسلم في إقليم كوردستان أن يمنعوا كلّ من اغترّ وانخدع بهم أو يؤيّدهم على المنابر أو الإعلام أو بين النّاس أو في أيّ مكان كان وبأيّ طريقة كانت.

ولا شكّ أنّ الجهاد الحقيقي والأجر الكثير هو لكلّ من يجاهد ضدّ هؤلاء العابثين الفاسدين كما قال الرّسول صلّى الله عليه وسلّم: (فَأَيْنَمَا لَقِيتُمُوهُمْ فَاقْتُلُوهُمْ، فَإِنَّ فِي قَتْلِهِمْ أَجْرًا لِمَنْ قَتَلَهُمْ يَوْمَ القِيَامَةِ) رواه البخاري. ولاسيّما قتالهم أعظم جهادٍ للشّعب الكوردي المسلم؛ لأنّ الكورد بقتالهم يدافع عن دينه ومعتقداته وارضه وعرضه ومستقبل أولاده وأجياله، وقد صرّح الرّسول صلى الله عليه وسلّم: (مَنْ قُتِلَ دونَ ماله فهو شهيد، ومَنْ قُتِلَ دون أهلِه أو دون دَمِه أو دون دِينِه فهو شهيدٌ) رواه أبو دارود.

 

اتّحاد علماء الدّين الإسلامي في كوردستان

7/8/2014