إشراقةُ رمضان و إستراتيجيّةُ الإيمان

إضافةً إلى إشراقته التي تبعث على الإستشعار ببالغ السعادة و التفاؤل و الإبتهاج، فإنّ أهميّة شهر رمضان بالنسبة للمسلم، تكمُنُ في أنّه يُمثّل مبادرة ربّانيّة كبيرة للتوجّه نحو ترويض النفس و تزويدها بالطاقات الإيمانيّة التي تتوفّر بشكل ملحوظ في هذا الموسم الإستثنائي و تلعب دوراً إستراتيجيّاً في إصراره و إستمراره على أداء الطاعات و تقريب المسافات بينه و بين معبوده، تلك الطاقات الإيمانيّة، التى تغرس في نفسه الثقةَ الراسخة باليقين التامّ بقدرته على إستعادة نمط المواظبة و الإستقامة على النهج الناجح في ممارسة العبادات بشكل أنشط التي يتفاجأ الإنسان أحياناً بحدوث الإهمال و القصور فيها في غير رمضان، وفي حال تمّ تتويجُ مجهوده هذا بالنجاح، و ظفر فعلاً بتحقيق تلك الطاقات و تسخيرها في إجراء التغييرات اللازمة على مختلف مناحى حياته، بحيث تنعكس تأثيراتُها الإيجابيّةُ على مواقفها و خطواتها و تصرّفاتها، فإنّها تكون بمثابة التمهيد الجيّد و الجادّ لتوفير إمكانيّات إضافيّة هائلة للبلوغ إلى المزيد من التلذّذ بالنشوة الروحيّة في العبادة، و تُمكّنه أيضاً من إعادة و تثبيت التوازن المفقود إلى روح العبادة و الطاعة التي يقوم بتجسيدها و تقديمها لمعبوده و مُطاعه.

 

 ومنْ خلال هذه النافذة التي تعرّفنا من خلالها على أهم عاملٍ منْ عوامل التغيير الإيجابي في الرصيد الإيماني وهو تحصيل الطاقات الإيمانيّة، بإمكان المسلم أنْ يَكتشف أنجح السُبُل لتدعيم و تطوير تلك العلاقات المُفعمة بالمُتعة والتي تجمع بينه و بين خالقه، علاقةٌ تفتقر أساساً إلى عملٍ جادّ بُغية الوصول إليها و الإحتفاظ بها و السعى الحثيث لتقوية روابطها، هذه العلاقة يَغفل عنها الكثير، بلْ ولم يتذوّق حلاوتها إلّا القليل، وهذا مؤشّر واضح على ضرورة التعمّق و التأمّل في مفهومها و أبعادها و أهدافها السامية لاستيعابها كاملاً كما هي.

 

 إنّ إستقبالَ المسلم لهذه المبادرة الربانيّة و التجاوب مع مقتضياتها و التكيّف مع متطلّباتها، تُكسبه العزيمة القويّة على تحرير النفس من الشهوات و اللّذات الضارّة التي تتسبّب في فقدان التواصل السليم في هذا المشوار، بلْ و تُعطيه القابليّة و المقدرة الكبيرة على إبطال كلّ المقاصد الشيطانيّة التي تُزيّف و تُوظّف لزعزعة إيمانه و عقيدته و ولاءه الحقيقيّ لربّه، كلّ هذا في النهاية، تصبّ في مصلحة إيمانه و إرتفاع رصيده بشكل أفضل و أكثر.

 

 إنّ تحقيق هذا الإنجاز العظيم على الصعيد الروحي و الجانب النفسي اللّذان يُغذّيان شريان الإيمان، إنْ إفترضنا أنّه أعطى ثماره و أظهر مردوداً مفيداً، فإنّه يُبرهن أوّلاً على ذكاء المسلم و مدى حذاقته، حينما يستغلّ هذه المُناسبة و المبادرة العظيمة، و يجعل منْ هذا الإستغلال، جسراً للعبور الى عمل ترتيبات أفضل و أكثر جدارة لتهيئة أرضيّة مناسبة للتقرّب و اللقاء مع الله (جلّ جلاله)، ولاشكّ أنّه يحصل بذلك على الإستقرار و الراحة النفسيّة حيث يفتقر إليه أصلاً، و ينال من المكايد و الوساوس التي تُعرقل تقدّمه في هذا المجال الإيماني، وبالتالي يصير أكثر قدرة علي تغليب إرادة الخير على إرادة الشرّ، و تطويق مكامن الضعف الديني و استئصال أسباب نشوءه، و ايجاد بيئة إيمانيّة واسعة تُلبّي طموحاته لإكتساب القُدرة على تقديم العبادات في أبهى صورة مُمكنة.

 

 ومنْ خلال هذه اللفتة القصيرة، يُمكننا القولُ بأنّ هذا الفضل الذي يتميّز به هذا الشهر الفضيل دون سائر الشهور، يكمن في هذه النقطة بالذات، بمعنى أنّ المسلم يجد في هذا الموسم الرمضاني خواطر و مقوّمات روحيّة إضافيّة و أكثر فاعليّة، تُوجد في مخيّلته الإستشعارَ و الإدراكَ بضرورة إجراء التغيير الإيجابي الشامل في حياته الدينيّة على مختلف الأصعدة ، و ايجاد مختلف الطرائق لتطوير الجانب الإيماني على الوجه الذي يُبقى التوازن في عباداته و طاعاته على نمط مرتفع، وبذلك، يُوصل المسلمَ إلى محطة مُحاطة بالأنوار الإيمانيّة التى تُجسّد في أُفُقه الواسع غاية عظيمة، وهى أنّه نجح في تحقيق نقلة و قفزة نوعيّة كبيرة في سبيل تأمين إنتعاش إيجابيّ للجانب الروحي و الإيماني الذي يربطه بقوّة مع الإله المعبود، وهذه الخطوة المباركة التى ترسم ملامح مفارقة إستراتيجيّة في مشوار الإيمان و الأمان النفسي و الروحي، رُبّما تكون نقطة إنطلاقة كبيرة نحو أنْ يكون مسلما و مؤمنا جديراً بأنْ يتغمّده الله بواسع رحمته و مغفرته في الدارين، وأنْ يكون ممّنْ يحقّ له الإفتخار بوصوله لمراتب الشرفاء و الأبرار الذين إستحقّوا الجزاء و الثواب بالجنّة مأوى الأوفياء برسالة النبي محمد (ص).