التَّوَكُّلُ وأثَرُهُ عَلَى حَياةِ الْمُسْلِمِ

الحمدُ للهِ، والصّلاةُ والسّلامُ عَلَى رَسولِ اللهِ، أوصيكُم بِتقوَى اللهِ وطاعتِه، قال تعالى: (... وَعَلَى اللَّهِ فَتَوَكَّلُوا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ...) المائدة: 23. وقالَ الرّسولُ – صلّى الله عليه وسلم: (لو أنَّكم كنتُم توَكّلُونَ علَى اللهِ حَقَّ توَكُّلِه لَرُزِقْتُمْ كما يُرْزَقُ الطَّيرُ تَغْدُو خِماصًا وتَرُوْحُ بِطانًا) رواه الترمذي.

التَّوَكُّلُ هو صِدْقُ اعْتِمادِ القَلْبِ عَلَى اللهِ في استِجلابِ المَصالِحِ ودفْعِ المَضَرَّةِ مِنْ أُمورِ الدُّنيا والآخِرَةِ، وهو الثِّقةُ بما عِندَ اللهِ واليَأْسُ عمّا في أيْدِي النّاسِ، ودَليلٌ على صِحّةِ إيمانِ العَبدِ وشَرطٌ في تحقِيقِه، وهو عِبادةُ الأتقياءِ وسَبيلُ الأَنقياءِ وشِعارُ المُؤمِنِينَ، وقد أَمَرَ اللهُ رسولَه - صلّى الله عليه وسلم- وعِبادَه المُؤمِنِيْنَ بِالتَّوَكُّلِ فقال: (وَتَوَكَّلْ عَلَى الْعَزِيزِ الرَّحِيمِ، الَّذِي يَرَاكَ حِينَ تَقُومُ، وَتَقَلُّبَكَ فِي السَّاجِدِينَ) الشعراء: 217-219. وقال تعالى: (وَمَن يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ) الطلاق:3.

المحورُ الأوّلُ: ضَرورةُ التَّوَكُّلِ في حَياتِنا

يَنْبَغِي لِلْمُسلِمِ أنْ يَتوكَّلَ عَلَى اللهِ في حَياتِه، وهو بحِاجةٍ إلى تَربِيةِ نفسِه على التَّوَكُّلِ والاعتِمادِ على اللهِ والثّقةِ به، لِيُصْلِحَ حياتَه وأحوالَه، لذلك وَرَدَ لفظُ التَّوَكُّلِ في اثنَينِ وأربَعِيْنَ مَوْضِعًا في القرانِ الكريمِ بِأَسالِيبَ مُختلِفَةٍ كُلّها تَدَلُّ على ضرورةِ التَّوَكُّلِ عَلَى اللهِ، ومع ذلك فقَدْ أَمَرَ الشَّرعُ بالأخْذِ بالأَسبابِ؛ حتَّى لا يَتَحوَّلَ التَّوَكُّل إلى تَواكُلٍ وكَسَلٍ ، والتَّوَكُّل لا يُنَافِي الأَخْذَ بِالأَسبابِ؛ لِأَنَّ الأخْذَ بِالأسبابِ والتَّوَكُّلَ مِنْ أَمْرِ الدِّيْنِ، كما جاء في حديثِ أنسٍ (رضي الله عنه) قال: جاءَ رَجُلٌ إِلى النَّبِيِّ (صلى الله عليه وسلم) وناقَتُهُ بِيدِهِ، قال: "يَا رَسُولَ اللهِ، أَعْقِلُهَا وَأَتَوَكَّلُ؟ أَوْ أُطْلِقُهَا وَأَتَوَكَّلُ؟ قَالَ: ‌اعْقِلْهَا، ‌وَتَوَكَّلْ" رواه ابن حبان في صحيحِه. وذلك لِأَنَّ الأَخْذَ بِالأَسبابِ دِينٌ ولا يُنافِيه أبدا، وإلّا كيف يَقُولُ سبحانه وتعالى: (وَهُزِّي إِلَيْكِ بِجِذْعِ النَّخْلَةِ تُسَاقِطْ عَلَيْكِ رُطَبًا جَنِيًّا) مريم: 25. فَلَوْ أرادَ اللهُ أنْ يُسْقِطَ عليها الرُّطَبَ لَفَعَلَ، ولكن أَرادَ أنْ يُرَبِّيَ الأُمّةَ مع تَوَكُّلِها عليه أنْ تأخُذَ بِالأسبابِ، والرّسولُ – صلّى الله عليه وسلّم- مِنْ أَعْظَمِ الْمُتَوَكِّلِيْنَ على اللهِ ومع ذلك اتَّخَذَ الْأَسبابَ في مواقِفَ كثيرَةٍ في حياتِه..

المحورُ الثّاني: فَوائِدُ التَّوَكُّلِ .

مَنْ توكَّلَ على اللهِ حَقَّ تَوَكُّلِهِ فازَ بِأُمورٍ عَديدَةٍ لِأَنَّ فَوائِدَ التَّوَكُّلِ كَثيرَةٌ، منها:

أوّلاً: المُتَوَكِّلُ على اللهِ يَظْفَرُ بِمَحَبَّةِ اللهِ، فقد قال تعالى: (فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ) آل عمران:159.

ثانيا: أنَّ المُتَوَكِّلَ يُحَقِّقُ النّصْرَ في نَفْسِه، ويكونُ مَنصُوراً في المُسْتَوى الفَرْدِيِّ والجَماعِي، قال تعالى: (إِنْ يَنْصُرْكُمُ اللَّهُ فَلَا غَالِبَ لَكُمْ وَإِنْ يَخْذُلْكُمْ فَمَنْ ذَا الَّذِي يَنْصُرُكُمْ مِنْ بَعْدِهِ وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ) آل عمران:160.

ثالثا: المُتَوَكِّلُ يُحَصِّنُ نفسَه بِالتَّوَكُّلِ مِنْ شَرِّ الشّياطِينِ، قال عز وجل: (إِنَّهُ لَيْسَ لَهُ سُلْطَانٌ عَلَى الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ) النحل:99.

رابعا: التَّوَكُّلُ على اللهِ دَليلُ التَّقْوَى وسببٌ مِنْ أَسبابِ الرِّزْقِ الحَلالِ، كما قال سبحانه وتعالى: (وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا،  وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْرًا) الطلاق:2-3.

خامسا: اطمِئْنانٌ لِلْإنسانِ والابتعادِ عن الوسوسةِ، وأمانٌ له مِنَ النّاحيةِ النّفسيّةِ والاجتِماعيّةِ.