حكم الدّعاء على الإرهابيّين الشّيخ عبد الله سعيد الكوردي رئيس اتّحاد علماء الدّين الإسلامي في كوردستان بسم الله الرّحمن الرّحيم الحمد لله رب العالمين، والصلاة و السلام على المبعوث رحمة للعالمين، و على آله و صحبه أجمعين أما بعد: مع ظهور داعش وإنتشار أعمالهم الإجرامية من الطرق المرعبة للقتل والظلم والرعب والدمار ... إلى غير ذلك من الأعمال الشنيعة، كَـثُـر النقاش و الجدل بين بعض أهل العلم في جواز الدعاء عليهم أم لا؟ ولكن قبل الشروع في المقصود أرى من الظروي أن نقف وقفة قصيرة بين أيدي الفقهاء حول مفهوم الإرهاب، ومن هم الإرهابيون. مصطلح الإرهاب من المصطلحات الجديدة،ولم يكن معروفاً عند فقهائنا القدامى،و لن تذكر المدونات الفقهية معنىً دقيقاً لهذا المصطلح، وما ذكروه من شرحٍ لمادة (رهب) ومشتقاتها الواردة في الكتاب و السنة لا يشتمل على تعريف دقيق لمفهوم الإرهاب، بل جاءت المعاني وفق سياقِ كل آيةٍ أو حديث، لذلك نال مصطلح الإرهاب إهتمام عدد من الباحثين المعاصرين سواء عن طريق الإجتهاد الجماعي أو الفردي، فقال مجمع البحوث الإسلامية في الأزهر الشريف أنَّ الإرهاب هو:ترويع الآمنيين و تدمير مصالحهم و مقومات حياتهم والإعتداء على أموالهم وأعراضهم و حرياتهم وكرامتهم الإنسانية بغياً وإفساداً في الأرض(1). وقال المجمع الفقه الإسلامي المنبثق عن منظمة المؤتمر الإسلامي أنَّ الإرهاب هو:العدوان، أو التخويف، أو التهديد مادياً و معنوياً، الصادر من الدول، أو الجماعات،أو الأفراد، على الإنسان دينه أو نفسه أو عرضه أو عقله أو ماله بغير وجه حق، بشتى صنوفه و صور الإفساد في الأرض(2). وعرَّفه عبدالله بن بيه بأنَّ الأعمال العنيفة التي ترمي إلى التدمير والإفساد و ترويع الآمنيين بقتل الأبرياء و تدمير المنشأت و ترويج المخدرات، وكذلك الأعمال العنيفة التي تقوم به العصابات ضد السلطة الشرعية لخلق جوٍ عامٍ من العصيان، يشل النظام العام، ويُخوف المدنيين،أو لقلب النظام الشرعي القائم يُسمى بالإرهاب(3). ويقول صالح بن حميد بأنَّ الإرهاب هو:الإقدام على القتل،و التخويف،والخطف، والتخريب،والسلب، والترويع،بغير سبب مشروع(4). ويقول الدكتور عبدالله بن مطلق بأنَّ الإرهاب هو : قيام فردٍ أو جماعةٍ أو دولةٍ بعدوانٍ منظم أو التهديدِ به، ينتج عنه إتلاف إو إرعاب باستخدام وسيلة من وسائل العنف لتحقيق غاية غير مشروعة(5). ويعرف مطيع الله الحربي الإرهاب بأنَّه:رعبٌ تنشره جماعة منظمة على نطاقٍ واسع، أو محدود، عن طريق إستخدام وسائل العنف،أو التهديد بها لتحقيق أهداف غير مشروعة في الإسلام والأديان السماوية الصحيحة(6). وبالنظر في التعريفات السابقة- من المجاميع الفقهية و الباحثين- نرى أنَّ ما يقوم به ( داعش ) اليوم من نشر الرعب والخوف و استهداف المدنيين و الأبرياء و إرتكاب جرائم القتل و الخطف والدمار و إستباحة الحرمات و هتك الأعراض و هدم البنية التحية، أعمالاً إرهابية مخالفة تماماً لسماحة الإسلام و وسطيته، فهم إرهابيون بلا شك و أعمالهم أعمالاً إرهابية. والسؤال الذي يطرح نفسه، هل يجوز لنا أنْ ندعوا عليهم أم لا ؟ مما لا شكَّ فيه أنَّ للدعاء منزلة عظيمة في الشريعة الإسلامية،شرعه الله سبحانه وتعالى لطلب الخير، أو لدفع الشر،: (وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُون) (7)، وقوله صلّى الله عليه وسلّم: ((من سرَّهُ أنْ يستجيب الله له عند الشدائد والكرب فليكثر الدعاء في الرخاء))(8). فذهب جمهور الفقهاء من المالكية و الشافعية و الحنابلة القول بجواز الدعاء على الظالم، ومنحوا الحق للمظلوم أنْ يدعو على من ظلمه دون تعد في الدعاء، حيث لم يرد في الشرع ما يلزم المظلوم بدعاء معين يدعو به على ظالمه دون غيره. فقال القرافي من المالكية:وأما الدعاء على الظالم، فقد قال مالك وجماعة من العلماء بجوازه،والمستند في ذلك قوله تعالى: (وَلَمَنِ انْتَصَرَ بَعْدَ ظُلْمِهِ فَأُولَئِكَ مَا عَلَيْهِمْ مِنْ سَبِيلٍ)(9)،(10). وقال الصاوي المالكي: ويجوز الدعاء على الظالم بعزله، كان ظالماً له أو لغيره(11). وقال النووي من الشافعية: يجوز الدعاء على من خالف الحكم الشرعي بلا عذر(12). وقال الشيخ إبن حجر الهيتمي: الظالم المعتدي يجوز الدعاء عليه ولو بسوء الخاتمة(13). وقال البهوتي من الحنابلة: (وله)أي:المظلوم الدعاء بما آلمه،أي:بسبب ما آلمه(بقدر ما يوجبه ألم ظلمه)(14). وجاء في شرح غاية المنتهى ما نصُّه:للمظلوم الإستعانة بمخلوقٍ في دفع الظلم عن نفسه، فاستعانته بخالقه أولى من إستعانته بالمخلوق، وله الدعاء على ظالمه بقدر ما يوجبه ألم ظلمه(15). و شدد إبن بطال في جواز المبالغة في الدعاء على من إشتد أذاه للمسلمين(16). فيظهر لنا جلياً من أقوال الفقهاء أنَّه يجوز الدعاء على الإرهابيين جميعاً و بالأخص إرهابي داعش، لكونهم من الظالمين، وأيَُّ ظلمٍ أكبر من الذين يسئون إلى الإسلام بإسم الدين؟ و يشوهون صورته الحقيقة السمحة؟ وأيُّ ظلم أكبر من ذبح الإنسان و حرقه ؟ وأيُّ ظلمٍ أكبر من هتك الأعراض واستهداف المدنيين و الأبرياء و نشر الرعب في قلوب الأطفال و النساء و كبار السن؟ وأيُّ ظلم أكبر من هدم قبور الأنبياء و الصالحين و الإستهزاء بهم؟ فإنَّهم سعوا في الأرض فساداً و خراباً ودمارا !!! ولا ننسى قوله صلّى الله عليه وسلّم:اتَّقِ دَعْوَةَ الْمَظْلُومِ فَإِنَّهَا لَيْسَ بَيْنَهَا وَبَيْنَ اللَّهِ حِجَابٌ(17). |