د. عبدالله الشيخ سعيد الكوردي رئيس اتّحاد علماء الدّين الإسلامي في كوردستان بهدف خداع المقابل وبث الرعب في صفوف المواطنين و الوصول إلى المناطق الحيوية، قام إرهابيوا داعش في الفترة الأخيرة بإستخدام الأطفال في تنفيذ عدد من العمليات الإرهابية في مدينة كركوك وغيرها،فهم يهدفون بذلك التعمية و خداع الأجهزة الأمنية باعتبار ذلك أمراً غير متوقع، حيث أنَّ الأجهزة الأمنية لا تُشدد التفتيش على الأطفال، فبذلك يبثون الرعب في صفوف أعدائهم مع تقليل الخسارة في صفوف أعوانهم،و يزعمون أنَّ ما يقومون به له أصلٌ من الشريعة الإسلامية، ولكنْ بعد التحري و التقصي يظهر لنا جلياً أنَّ ما يقومون به مخالفٌ تماماً للشريعة الإسلامية السمحة التي تدعوا إلى الرحمة بالناس صغيراً كان أو كبيراً، فهل من الرحمة تربية الأطفال الذين لم يبلغوا الحُلم على العنف و القتل و الذبح والدَّمار، في حين نرى أنَّ الإسلام إهتم بالطفل إهتماماً كبيراً،حيث ركزَّ على حمايته و صيانته عن كل ما يؤذيه،و تمتعه بالأمن و الإستقرار،كما و أقرَّت الشريعة الإسلامية جملة من المبادئ والأحكام تكفل بها صون الأطفال وحمايتهم أثناء الحروب والنزاعات المسلحة، حيث نهى عن قتلهم في الحروب، بلا إستثناء بين أولاد المسلمين أو المشركين، ونقل النووي في شرح صحيح مسلم إجماع الفقهاء على تحريم قتل الأطفال أثناء النزاعات المسلحة وعدم التعرض لهم، وقد نهى النبـي - صلى الله عليه وسلم - نهياً صريحاً عن قتل النساء والصبيان أثناء المعارك و الحروب، حيث قال عليه الصلاة و السلام: ما بالُ أقوامٍ بلغ بهم القتل إلى أنْ قتلوا الذرية؟ ألا لا تقتلوا ذرية، ألا لا تقتلوا ذرية،قيل: يا رسول الله،أو ليس هم أولاد المشركين؟ قال: أوَليس خياركم أولاد المشركين. لماذا أتفق الفقهاء على جعل البلوغ شرطاً من شروط الجهاد؟ ألم يكن ذلك لكون الغير البالغ لا يقوى على المقاتلة، فيكون عبئاً على الجيش من النفقة والرعاية، فهم بقيامهم بتجنيد الأطفال و استخدامهم للقيام بالعمليات الإنتحارية خالفوا الإجماع،و هناك من الأدلة الصريحة التي لا تجيز بأي شكل من الأشكال على جواز إنخراط الصبيان في صفوف القتال. حيث ثبت في الصحيحين أنَّ ابن عمر رضي الله عنهما قال:"أنَّ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عرضه يوم أحد وهو ابن أربع عشرة سنة ، قال: فلم يجزني، ثم عرضني يوم الخندق وأنا ابن خمس عشرة سنة فأجازني"، و ما ثبت عن البراء بن عازب - رضي الله عنه – أنَّه قال: استصغرت أنا وابن عمر يوم بدر ، و ثبت أيضاً أنَّه – صلى الله عليه وسلم- ردَّ أيضاً زيد بن ثابت و رافع بن خديج عن الخروج إلى الجهاد لصغرهم. قلتُ: فظاهر ما ذكرناه يدلُ دلالة واضحة على أنَّه - صلى الله عليه وسلم - لم يجزهم للخروج إلى الجهاد إلا لأنَّهم لم يكونوا بالغين، لأنَّ القتال تكليفٌ، و الصبـي غير مكلفٍ، ويضعف عليه معرفة القتال ومقاومة الأعداء، فدلَّ هذا على اشتراط البلوغ لوجوب الجهاد ، لأنَّ الحرب في الإسلام حربُ فضيلةٍ، لاتضيع من أجلها الحقوق وتمتهن الكرامات و تعدم فيها الرحمة، ومن أجل ذلك نهى الشريعة الإسلامية عن التمثيل بالجثث، واستخدام الأطفال في الحروب و بالأخص في القيام بالعمليات الإرهابية لاتتفق تماماً مع هذه المعاني و التشريعات العظيمة للحرب في الإسلام. ومع الأسف الشديد يستدلون بعملهم المخالف بجملة من الأدلة التي لايمكن أبداً أنْ تكون دليلاً على فعلتهم النكراء، فهم يستدلون بحديث سمرة بن جندب أنه قال:عرضت على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فرَّدني وأجاز غلاماً، فقلتُ رددتني وأجزته ولو صارعته لصرعته، فَقَالَ صَارِعْهُ فَصَارَعْتُهُ فَصَرَعْتُهُ فأجازني. فإستدلالهم في غير محله، لأنَّ حديث سمرة يدلُّ على أنّه -صلى الله عليه وسلم- حينما أجازه كان غلاماً قوياً، والغلام هو من بلغ الإحتلام لدلالة قوله تعالى ( وإذا بلغ الأطفال منكم الحلم فليستأذنوا... ) و القوة تكمن بالإحتلام، ومن لا قوة له لا يقدر على المصارعة، لأنَّ المصارعة لا تكون إلا بالقوة. وأما استدلالهم بإمارة أسامة بن زيد فهو أيضاً ليس في محله،لأنَّ تأمير أسامة بن زيد على الجيش كان لعبرٍ كثيرة و حكمٍ عالية تنظر في مظانها، ولم نعلم أنَّ حادثة أخرى حصلت مثلها، بل كان عامة أمراء الجيش من الكبار المتمرسين في القتال، وأسامة في حينها كان رجلاً، ولم يكن طفلاً، و إلا لردَّه كما ردَّ مجموعة من الصبيان و الأطفال يوم بدر، و تأميره لأسامة حادثة عينٍٍ لا عمومَ لها- أي لا يؤخذ منها عموم الجواز- كما قال به الأصوليون. فبناءً على ماسبق،يتضح لنا جلياً أنَّ ما يقوم به إرهابيوا داعش من إستخدام الأطفال للقيام بالعمليات الإرهابية مخالفٌ تماماً لتعاليم الشريعة الإسلامية السمحة، لعموم الأدلة الواردة على تحريم قتل النفس، و يقولون على الله بغير علم فيبيحونها بدون وجود نصٍ صريحٍ على عملهم، و أنَّ مثل هذه العمليات تتخذ ذريعة للبطش والتنكيل وحشد الرأي العام ضد الإسلام، علاوة على ما يقع من المدنيين الأبرياء من النساء والشيوخ والأطفال ضحية لمثل هذا النوع من العمليات، فتجنيدهم وتدريبهم للأطفال على العنف والقتل أشد جُرماً، و يعدُّ من الظواهر الخطيرة وخاصة مع عجز المجتمع الدولي عن وضع حدٍ لها، ولا تقتصر تبعات هذه الظاهرة على الوقت الراهن فحسب، بل ستنعكس تماماً على مستقبل المنطقة بأكمله وتؤثر سلباً على المجتمع و بالأخص بعد إنهيار داعش. |