ٲ.د.عرفان رشیدشریف. مع حلول شهر رمضان المبارك كانت ٳحدى التوضيحات والتنبيهات التي نشرها المجلس الاعلى لافتاء حول صحة عدم منح الزكاة للاحزاب والقنوات والمراكز والمقرات،وما الى ذلك. ولم يكن هذا من دون مبرر ٲو تحت ضغط ٲو تدخل من جهة خارجية، وٳنما كانت نتيجة غربلة وترشيح الموضوع، آخذين بنظر الاعتبار واقع الوضع العام في كوردستان، وتقویم الآراء والاستناد ٳلى الآراء المتينة، وكنتيجة لموافقة اغلبية اعضاء المجلس الاعلى للافتاء تم التصديق والنشر. وهنا لا يتعلق موضوعي فقط بالتأكيد على سؤال هل يصح منح الزكاة الى هذه الجهات ٲم لا، بقدر ما يتعلق بالاصوات غير الراضية التي علت بعد نشر هذا التوضيح، والتي شمرت عن ساعديها ٳلى حد البدأ بالتشهير بالمجلس الاعلى للافتاء، وكأنهم في هذا الشهر الفضيل قد وجدوا مصدرا للجهاد والصدقة الجارية، وقد حُبِسَ عنهم، ولم يكن ليخسروا هذه الغنيمة الكبيرة!! ولذلك سرعان ما رأينا من خلال وسائل التواصل والفضائيات، كيف توالت الاسئلة من المواطنين بأسمائهم هم ومن والاهم حول التوضيحات، بشكل مباشر وغير مباشر، وبدأوا بتوجيه سهامهم نحو المجلس الاعلى للافتاء، وذلك بجمع بعض الاراء الضعيفة التي كان علماء المجلس قد ٲسقطوها ٲثناء الترشيحات، وٳضافة بعض الرتوش والتجميل عليها ثم نشرها،غير دارين بٲن المجلس الاعلى كان ٲصلا قد اسقط هذه الآراء الضعيفة والمجهولة من اعتبارها، بعد ان أوزنوها بميزان فقه الواقع والقوانين الشرعية. ٲن ما يجري في ٳقليمنا هذا حول الفتاوى والملحوظات، وفتاوى المجلس الاعلى للافتاء لاتحاد العلماء ومسائل ٲخرى كثيرة هو مثار استغراب، فٳذا لاحظنا ٲن مجلسا كان على مدار اكثر خمسين عاما في خدمة الدين الاسلامي المبارك وخدمة هذه الارض وٲهل كوردستان، وكل ذلك من دون ٲن يأخذوا بنظر الاعتبار مصلحة ٲية جهة بعينها، ٲو السعي لجمع المال أو الجاه. وقد دأب المجلس على الٲمر بالمعروف، والنهي عن المنكر، وتوعية المسلمين بشأن الالتزام بديننا الحنيف، ولم يكن في مقراتهم ومراكزهم غير نشر العلم الموثق بالٲدلة الشرعية المعتبرة، ولم يدخروا شيئا لانفسهم، لا سرا ولا علانية، ولم تكن أعينهم مفتوحة لٲي جهة مانحة داخلية ٲو خارجية، لتكون فتاويهم الصادرة متأثرة بهذه الجهة ٲو تلك. وقد حرص المجلس على الدوام ان يقف على مسافة واحدة من المسلمين جميعا، ولم يفرق بين ٲحد وآخر منهم.ٳنه لمن الغريب ان نرى هذا المجلس الرسمي المكون من 21 (واحد وعشرين) عالما مختارا من كوردستان بملابسهم المجردة، ومن دون الحصول على اية امتيازات خاصة، ينبرون لايصال ليلهم بنهارهم فقط من ٲجل خدمة الشريعة، ومن دون التفكير بالٲمور الدنيوية، أو المؤسسات، ٲو الشركات، أو ٲي مصلحة خاصة بهم من ٲي نوع، من الغريب ٲن نرى سعيا حثيثا لاضعافه والتقليل من قيمته، وقيمة الفتاوى والتوجيهات التي يصدرها ٲمام ٲنظار المسلمين والاجيال القادمة. ومن الغريب ٲن نرى من يقف ٲمام مجموعة من العلماء ذوي اللحايا البيض المشغولون بالعلوم الشرعية ويقول لهم بلغة سوقية: انتم مخطئون، لانكم مسؤولون عن ٳفلاس ٲحزابنا ومقراتنا ومراكزنا وقنواتناالتي هي بحاجة الى التعمير والتجميل وتبديل الاثاث والمفروشات، ولكن بماذا؟ بأموال الزكاة المخصصة لكل هؤلاء الفقراء والمساكين والمرضى الذين ينتظرون رحمة الله وأموال زكاة المسلمين، لكي يعينوا بها ٲنفسهم على حياتهم البائسة المعدمة؟ ٲما ٳذا كان الامر عن مراكز دراسة وتحفيظ القران فٳننا نرى في البلدان الفقيرة كالدول الافريقية ٲناسا يجلسون في خيمة مهترئة من دون طعام ولا شراب، وليس فيهم من يجلس على كرسي وطاولة ٲنيقة ويطلب طعاما بالديليفري وهو جالس تحت مكيف الهواء في غرفة مليئة بالديكوات والاثاث في بناية عالية ذات رونق وجمال، انهم يجلسون في هذه الخيم لمدة تربوا على السنة الواحدة وباستخدام الواح خشبية يكتبون القران الكريم ويحفظونه. ولا تجد بين يدي احدهم تابليت او شاشة ذكية، ولا كرسي وطاولة، او هواء مكيف وماء بارد. وما اثار انتباهي من كل هذه المقالات والمنشورات، هو موقف العلماء والأئمة والخطباء ومراكز التنوير في البلدان الاخرى، وكيفية التزام الناس هناك بفتاوی علمائهم، والعمل على نشر هذه الفتاوی التي صدرت من كبار علمائهم، وليس كبعض الخطباء واصحاب المراكز والمؤسسات عندنا، الذين يقللون من شأن دور المجلس الاعلى للفتوى لاتحاد علماء كوردستان. روى لي احد علماء اقليمنا هذا انه في سنوات مضت زار سوريا والتقى بالشيخ محمد سعيد رمضان البوتاني، وسأله عن مسألة شرعية، فقال له الشيخ البوتاني: أتريد ان اجيبك برأيي الشخصي كعالم دين يحاور عالم دين، أم برأي دار الافتاء في بلدي؟ فمهما كان رأيي فأنا احترم رأي دار الافتاء في بلدي وأنقل للناس رأي الافتاء وليس رأيي الشخصي. ومن المعروف ان العالم الكبير الشيخ البوتاني لم يكن في العلم بأقل من بقية علماء دار الافتاء السورية، الا انه كان يحمل روح العالم الذي يفهم اصول الفتوى واحترام العلم والشرع، وقد عرف قدر المفتين وتعامل معهم بالاحترام الذي يليق بهم، ولم يتخندق في جانب اخر، ويسفه ويستخف بهم وكأن علو الاسلام بقي له فقط قطعة واحدة من البلاط ليوضع على حائط الانتصار، وهذه القطعة تكمن في الاجابة، وتقليل الاحترام للمجلس الاعلى للافتاء في كوردستان! واذا قيل ٲن لكل شخص الحق في ٳبداء رأيه في مسالة كهذه، فمن المهم ان يُحددَ ٲي الاشخاص لهم هذا الحق؟ هؤلاء الذين ما زال امامهم الكثير ليستظلوا بظل العلم والعارفين من اهل الفتوى، وينهلوا من منبع العلم اذا ما امد الله في اعمارهم وبارك فيها؟ أم ترويج تلك الفتاوى المختلفة التي تظهر في اسفل شاشات التلفاز وتنتشر، والتي هي اغلبها مخالفة لمذهب الامام الشافعي الذي هو مذهب اهل كوردستان منذ مئات السنين، والتي في جميع المناسبات وفي شهر رمضان المبارك تصيب الناس بالقلق والارتباك مجانبين القوانين والتعليمات الشرعية؟ وهل يُفسح المجال لاحد في دول كالسعوية وقطر وتركيا ومصر والامارات وماليزيا وغيرها من البلدان الاسلامية ان يتحدث بحديث غير ملائم وغير لائق في وجه المفتي ومجالس الفتوى؟ نأمل من الشخصيات المعروفة في مجتمعنا، السياسية منها والفكرية، وكذلك من المنظمات عامة والمنظمات الخيرية، وفي اثناء اداء اي نشاط او عمل خيري، ان يضعوا الجزاء من الرحمن وحده نصب اعينهم، ويتركوا ما دون ذلك، وأن يأخذوا أموال زكاة المسلمين كأمانة لديهم، وأن تُصرف هذه الاموال في الاماكن المعلومة التي وردت في القران الكريم، وأن تعطى للفقراء والمساكين من دون اية منة او استعلاء. فالانسان المسلم أغلى من الكعبة المشرفة عند الباري عز وجل. وذلك من اجل ان يكون زكاة المسلمين ومساعدة الخيرين مفتاح فرج للفقراء والمساكين والمشردين والمرضى. وبعد ان يكتفى هؤلاء المحتاجون، عندها يمكن ان يلتفت المسلمون بالعطاء الى القنوات والاثاث والمايكروفونات وطاولات الجلوس والمراكز وديكورات البنايات، ولكن ليس من اموال زكاة المسلمين، وانما من موارد اخرى من المال الحلال، ولتكن الآخرة ٲمام اعيننا، ولنأخذ بالآراء الاكثر صوابا، ولا نتكرم على الاخرين بأموال الزكاة، فليس من الشهامة التكرم بما هو ليس بملك لك.
|