إعداد: عبد الله خالد فائز- كلية التربية مخمور
مما لا شك فيه أن الله تعالى كرم الإنسان بجملة من النعم التي لم ينعم بها على أحد من خلقه، ومنها نعمة العلم، وعن طريق العلم يتم تعلم اللغات الإنسانية التي جعلها الله تعالى وسيلة تخاطب الأفراد والجماعات والتواصل فيما بينهم، كما أن اللغة وسيلة للتفاهم والتواصل بين الشعوب المختلفة، ولكل شعب لغته التي وضع الله فيها جملة من الخصائص الطبيعية كما يقول رب العزة والجلال حول وظيفة الرسل الكرام: ﴿وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ رَسُولٍ إِلَّا بِلِسَانِ قَوْمِهِ لِيُبَيِّنَ لَهُمْ فَيُضِلُّ اللَّهُ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ﴾ [إبراهيم: 4]، فلو لم تكن هناك لغات مفهومة بين الأفراد والشعوب لما كان هناك فهم لرسائل الله تعالى ولا تواصل بين الشعوب والأنبياء ولا تفاهم بين الناس قاطبة وبالتالي لم نكن نعرف شيئاً عن الماضي. ومن بين الرسل الكرام الذين بعثهم الله تعالى ذاك الرسول القرشي الأمي الذي جعله الله تعالى خاتم الأنبياء والمرسلين وبعثه إلى الناس كافة ليبين لهم طريق النجاة ويبعدهم عن سبل الغواية والضلال، فكل ما كان يصدر عن هذا الرسول من قول شفهي أو فعل بالجوارح أو تقرير أو صفة خلقية أو خلقية تعد من السنة المطهرة التي هي الأصل الثاني بعد القرآن المجيد، وهذه السنة المشرفة جاءت لتبين مجمل القرآن وتوضح ما شق على المسلمين فهمه وفهم المراد منه من آيات القرآن المجيد، ولذلك كل ما يصدر عنه يعد وحيا إلهيا مطهراً. وقد كان هذا الرسول الأكرم يهتم بكل شيء في مسيرة تأسيس الحضارة الإسلامية، ومن أهم الجوانب التي حظيت باهتمام بالغ من قبل الرسول هو العلم بمفهومه العام، وتعلم اللغات بشكل خاص، فقد حث على طلب العلم على كل مسلم ومسلمة، وحث على تعلم العلوم والترحال في سبيل كسبه وجمعه والسير في الأرض من أجله، كما حث المسلمين إلى تعلم لغة الأقوام المجاورة حتى يتمكن من مراسلتهم ومخاطبتهم بلسانهم، والجواب على أسئلتهم التي يرسلونها إليه، فقد نجد أنه طلب من الشاب الناشيء الصحابي الجليل زيد بن ثابت-رضي الله عنه- كاتب الوحي من تحمل هذه المهمة العظيمة والجليلة لتعلم اللغة حيث جاء في سنن أبي داوود مانصه (( ... قالَ زَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ أَمَرَنِى رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- فَتَعَلَّمْتُ لَهُ كِتَابَ يَهُودَ وَقَالَ « إِنِّى وَاللَّهِ مَا آمَنُ يَهُودَ عَلَى كِتَابِى». فَتَعَلَّمْتُهُ فَلَمْ يَمُرَّ بِى إِلاَّ نِصْفُ شَهْرٍ حَتَّى حَذَقْتُهُ فَكُنْتُ أَكْتُبُ لَهُ إِذَا كَتَبَ وَأَقْرَأُ لَهُ إِذَا كُتِبَ إِلَيْهِ )) . ولم يقتصِر رضي الله عنه على معرفة اللغة العبرية فقط بل أمره رسول الله بتعلُّمِ لغة أخرى حيث ذكر ذلك ابن عبد البر فقال: ( وكانت تَرِد على رسول الله صلى الله عليه وسلم كُتب بالسّريانِية فأمرَ زيدًا فتعلَّمَها في بِضعة عشر يوما)، وهذا الخبر قد رواه أحمدُ في مُسنده عن زيدٍ نَفسه إذ قال: " قال لي رسول الله أتُحسِن السّريانية ؟ قلت لا, قال فتعلَّمها, فتعلَّمتُها فِي سبعة عشر يوما ", أيضا لَم يقِف الأمرُ عِند هذا بل قَالَ أَبو الْحَسَن بن الْبَراءِ :" تَعَلَّمَ الْفَارِسِيَّةَ مِن رَسُول كِسرَى في ثَمَانِيةَ عَشرَ يَومًا، وَتَعَلَّمَ الْحَبَشِيَّةَ وَالرُّومِيَّةَ وَالْقِبطِيَّةَ مِن خُدَّامِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ). وفي عصرنا الحاضر نستطيع أن نستلهم من سنته القولية والفعلية، وأن نقتدى بهذا الشاب الجليل الذي تحمل على عاتقه مهمة الترجمة للرسول ونحن في هذا العصر لابد أن نبادر إلى تعلم اللغات الحية في العالم، لأن تعلم اللغات الحية وسيلة مهمة من وسائل التواصل بين جميع الأقوام والشعوب على مستوى العالم، ومن ثم الاستفادة مما عندهم من العلوم والمعارف النافعة، وذلك لأن الإنسان لا يستطيع الاكتفاء بما لديه لأنه مدني بطبعه، بل يحتاج إلى أن يستعين بما لدى الآخرين أيضاً ويكمل بها ما عنده، وهذا هو معنى التعارف الذي نص عليه القرآن المجيد بقوله: (إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا) الحجرات:13. ولا شك أن تعدد اختلاف اللغات والألسن من حكم الله تعالى، وآية من عظم قدرته على خلقه، هذا ان دلّ على شيء فإنّما يدل على العبرة والتذكرة والتفكر والتدبر لكل ذي علم وبصيرة، كما جاء في محكم كتابه قوله: (وَمِنْ آَيَاتِهِ خَلْقُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافُ أَلْسِنَتِكُمْ وَأَلْوَانِكُمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَاتٍ لِلْعَالِمِينَ) الروم:22. |