الحكم الشرعي لمحالفة أمريكا ضد داعش من الملمات بهذه الأمة في هذا الزمان، أن تحتاج الأمة إلى بيان أحكام ربنا تعالى، فيطول عهد الانتظار من العلماء للإجابة، مما يجعل الأقل حظاً من العلم أن يتصدر لذلك، أو أن يسابق أصحاب الحكم والسياسة للمصادرة على ذلك، فيتخذون القرار، ولعل هذا من رحمة الله تعالى، لأن أهل الحكم والسياسة، وإن كانوا أقل حظاً من علم الشرع، إلا أنهم أوفر حظاً من علم وفقه الواقع، لكمال وضوح الرؤية عندهم حول مجريات الأمور، فيما يلقي فضيلة الشيخ الدكتور سمير مراد الشوابكة وهو من أحد رموز العلم في المملكة الأردنية الهاشمية الضوء على الحكم الشرعي لمحالفة أمريكا ضد داعش. حكم محالفة أمريكا ضد داعش بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله الذي يدفع الباطل بالحق، ويأذن بدفح الحق بالباطل لإحقاق الحق الكوني، وصلى الله على نبي الرحمة والملحمة، ورضي الله عن السادة العظماء من أصحابه، وعفا عنا وعن كل مسلم؛ آمين وبعد: فإن من الملمات بهذه الأمة في هذا الزمان، أن تحتاج الأمة إلى بيان أحكام ربنا تعالى، فيطول عهد الانتظار من العلماء للإجابة، مما يجعل الأقل حظاً من العلم أن يتصدر لذلك، أو أن يسابق أصحاب الحكم والسياسة للمصادرة على ذلك، فيتخذون القرار، قلت: ولعل هذا من رحمة الله تعالى، لأن أهل الحكم والسياسة، وإن كانوا أقل حظاً من علم الشرع، إلا أنهم أوفر حظاً من علم وفقه الواقع، لكمال وضوح الرؤية عندهم حول مجريات الأمور. ولا عتب على من تأهل من طلبة العلم التقدم والتصدر، لبيان مثل هذه القضايا العامة، إن كان مؤيداً بالنصوص الدالة على الحكم المراد الوصول إليه، حال كون الأئمة من السابقين قد تكلموا في ذلك، أو أشاروا إليه إشارة واضحة. واليوم نحن بصدد تكوين حلف بين مسلمين وغير المسلمين، من أجل مواجهة منتسبين إلى الإسلام، لكن ضررهم كبير مستطير، لا لقوتهم، بل لشدة بطشهم ورقة دينهم التي تدفعم لذلك، ولبيان هذا الأمر وحكمه أقول: جاءت الشريعة المطهرة بما يحصل المصالح ويكثرها، ويدفع المفاسد ويقللها، وجاءت حاسمة بقطع مادة الضرر والفساد، سواء أتعلق ذلك بفرد أم بجماعة، وحقوق الجماعة والعامة مرعية فيها أكثر، لأن مادة الدين في الجماعة أكبر وأكثر. كما جاءت الشريعة بإشاعة قوانين الرحمة والتيسير، وحسمت قوانين الظلم والشدة والتعسير. كما جاءت حاكمة -حتى في قوانين الطب البشري التجريبي أو الروحي- بالإذن بكل ما يداويها ما لم يكن حراماً، وعلى يد من يداويها، لو كان من غير المسلمين، لأن بقاء النفس مقصود لله عز وجل، لأن به حصول التكليف، فوجب المحافظة عليه من جهة الإيجاد، ووجب المحافظة عليه بقطع كل مادة تعتدي عليه أو تقطعه. بل؛ وجاء الشرع بدفع الوسائل الموصلة إلى الضرر، وبالإذن بالوسائل الجالبة بكل مصلحة. قال الله تعالـــــــــــــى :- ((شَرَعَ لَكُمْ مِنَ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحًا وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ))، فإقامة الدين الخير كله، وكل وسيلة توصل إلى ذلك مشروعة ما لم تخالف الشرع. وقال الله عز وجل:- ((وَلاَ تَسُبُّواْ ٱلَّذِينَ يَدْعُونَ مِن دُونِ ٱللَّهِ فَيَسُبُّواْ ٱللَّهَ عَدْواً بِغَيْرِ عِلْمٍ))، فجاء الشرع بقطع مادة فساد التوحيد وقطع كل وسيلة توصل إليها، إلا ما اضطررنا إليه، قال تعالى :- ((إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالإِيمَانِ وَلَكِنْ مَنْ شَرَحَ بِالْكُفْرِ صَدْرًا)). وقال عليه الصلاة والسلام: "لا ضرر ولا ضرار"، وقال: "لا تسبوا آباءكم ولا أمهاتكم، .....، يسب الرجل أبا الرجل فيسب أباه، ويسب أمه فيسب أمه"، وقال عليه الصلاة والسلام: "مطل الغني ظلم يحل ماله وعرضه". قلت: وأما مادة الطب فقال الله عز وجل:- ((يَخْرُجُ مِن بُطُونِهَا شَرَابٌ مُّخْتَلِفٌ أَلْوَانُهُ فِيهِ شِفَاءٌ لِّلنَّاسِ))، وقال عز من قائل:- ((ارْكُضْ بِرِجْلِكَ ۖ هَٰذَا مُغْتَسَلٌ بَارِدٌ وَشَرَابٌ))، وقال:- ((قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ))، وقال:- (( قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ))، وقال عليه الصلاة والسلام: "تداووا عباد الله ولا تداووا بحرام"، وقد طبب رسول الله صلى الله عليه وسلم جبريل وميكائيل من السحر، وطببه طبيب نصراني، وقد اتفق أهل العلم أن التطبيب على يد الكافر جائز ما لم يخش منه. قلت: ومقاصد الشريعة جاءت بأن المقصد الأعلى والأسنى والأوفر حظاً في الرعاية والصيانة والحماية، مقصد الدين، ثم مقصد النفس، ولذا وضعت لذلك من التدابير الجالبة والواقية والمانعة، ما لم توضع لغيرهما، ما يدل على سموهما، إذ لا يقوم دين ولا تكاليف بغير مكلف عامل بالشرع، ولذا كان تحقيق الشرع بدون مكلف متعذر، ومكلف بدون شرع أيضاً متعذر، فاستحق كل منهما كينونة ظاهرة لا تتحقق بدون الآخر، ومن هنا عظم الله تعالى قدر المكلف الذي حاز من العصمة، القدر الذي حازه من التوحيد والدين، ولذا كان دمه مصوناً، لا يحل بغير حق، بل ويعظم على غيره من المقاصد الأقل رتبة، قال عليه الصلاة والسلام: "لا يحل دم امريء مسلم إلا بإحدى ثلاث"، وقال: "لا يزال العبد المسلم في فسحة من دينه ما لم يصب دماً حراماً". قلت: والدم الحرام نوعان: 1_ دم المسلم إلا بحق، ووجوه الحق مفصلة في كتب الفقه. 2_ دم الذمي وغيره ما لم يكن محارباً، هذا ودم الأسير المحارب محفوظ ابتداءً. قلت: ومن هنا ننطلق للحديث عن مواجهة أهل البغي والخوارج والصائل، لكن الحاجة تمس هنا ان نتحدث عن مواجهة الخوارج بل غلاة الخوارج (داعش)، في حلف مع غير المسلمين، وحتى لا يستغرب البعض فسأنقل كلام أئمة العلم في ذلك مختصراً، لكن أسبق نقلهم بمقدمة صغيرة فأقول: كنت قد تحدثت في شريط ونقلته في ورقات، عن نهاية العالم وأنه سينتهي إلا ثلاثة أحلاف، الروم، الإسلام، ما وراء ذلك، وأنا أعبر عنها بالقوى الثورية العالمية بما فيها اليهود، وهذه قسمة القرآن والسنة، قال تعالى:- ((لَتَجِدَنَّ أَشَدَّ النَّاسِ عَدَاوَةً لِلَّذِينَ آمَنُوا الْيَهُودَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُوا وَلَتَجِدَنَّ أَقْرَبَهُمْ مَوَدَّةً لِلَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ قَالُوا إِنَّا نَصَارَى))، وقال عليه الصلاة والسلام: "تصالحون الروم صلحاً آمناً، وتغزون أنتم وهم عدواً من ورائكم......"، فهذا الحديث فيه أن حلفاً سياسياً وعسكرياً سيقوم بين المسلمين والنصارى لمواجهة العدو الآخر، الذين من أشياعهم آنذاك سيكون الخوارج مع الدجال، قال عليه الصلاة والسلام: "لا يزال الخوارج يخرجون فيكم حتى يكون آخرهم مع الدجال"، وفسره أهل العلم بقتالهم معه عياذاً بالله تعالى، لأن خروج الدجال على ثلاث مراحل: شيخ دين مجاهد، مهدي، مدعٍ للألوهية. والآن أسوق مقولة أهل العلم التي تبين حكم حلف المسلمين مع أمريكا وغيرها، ما يوضح لنا حقيقة الأمر، وأكتفي بالتعبير عنهم بذكر مذهب الشافعية رحم الله تعالى الجميع: قال الرملي في نهاية المحتاج 7/407 : "ولا يستعان عليهم بكافر، ولو ذمياً، لأنه يحرم تسليطه على المسلم، ولأن القصد ردهم للطاعة، والكفار يتدينون بقتلهم، نعم يجوز الاستعانة بهم عند الضرورة كما نقله الأذرعي وغيره عن المتولي وقالوا: إنه متجه" ا.هـ . وفي مغني المحتاج للشربيني: عن عبارة النووي هذه: "ولا يستعان عليهم بكافر" قال: تنبيه: ظاهر كلامهم أن ذلك لا يجوز ولو دعت ضرورةٌ إليه، لكنه في التتمة صرح بجواز الاستعانة بهم عند الضرورة، وقال الأذرعي وغيره: إنه المتجه. قلت: ومن دقق النظر في كلام الفقهاء أصحاب المذاهب، وجدهم لا يخرجون عن مثل هذا القول، لأن مادة الشر مطلوب حسمها، فإن تعذر من صاحب الشأن جاز أن يكون مع غيره، ولو من كافر، لأن صيانة دين وأبدان وأرواح وأموال الناس عامة، أولى من صيانة ورعاية أرواح أمثال هؤلاء الظلمة أعوان الدجال، الذين لا يرقبون في مؤمن إلا ولا ذمة، ولا ينبغي التعاطف معهم لعلة إسلامهم، فقد قال عليه الصلاة والسلام: "لئن أدركتهم لأقتلنهم" أي: إن قاتلوا قاتلتهم وقتلتهم، والله المستعان وعلى بركة الله، ومن المهم معرفة الأصول التالية إضافة إلى ما مضى، فمن أصول أهل السنة والجماعة أن من خرج ليفرق المسلمين أو ليزيد في فرقتهم وجب قتله، وكذلك من أصولهم أن في الفتنة العمياء المطلوب عدم القتال، ومطلوب إفساد آلة القتال ولو كان صاحبها مع أهل الحق، فكيف بمن ينحاز إلى أهل الباطل الذين يفسدون الشرائع. هذا ومما ينبغي معرفته مذهب علي رضي الله عنه معهم، فقد ذكر شيخ الإسلام أن علي إستحل قتالهم وفرح بقتلهم فرحاً عظيماً، أنظر مجموع الفتاوى 28/473، والحمد لله الذي توعدهم بالقطع كما قال عليه الصلاة والسلام: "كلما طلع قرن قطع" فلا أبقاهم الله تعالى، وقطع دابرهم. والله أعلم وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم. كتبه: الشيخ الدكتور سمير مراد الشوابكة الجمعة 1435/11/17 2014/9/12 |