تحت شعار (العلم، المهنية، الوطنية ) و بحضور السيد رئيس وزراء إقليم كوردستان، نيجيرفان البارزاني، وعدد من النواب والوزراء وقادة الأحزاب السياسية وعدد كبير من علماء الدين الإسلامي في كوردستان بدأ يوم الثلاثاء، 24 تموز، 2018، أعمال المؤتمر السادس لإتحاد علماء الدين الإسلامي في كوردستان.
وفي مستهل أعمال جلسة الإفتتاح أكد السيد رئيس إتحاد علماء الدين الإسلامي في كوردستان عن دور إتحاد علماء الدين و مسيرته العملية و المهنية في الفترة الماضية، مبيناً عن أهمية إنعقاد هذا المؤتمر في نشر الوسطية و الإعتدال و محاربة الفكر التطرفي، مشيداً بالدور الكبير للمؤسسات الدينية في هذا المجال، شاكراً جهود القيادة العلمائية في الإقليم .
وأكد السيد نيجيرفان البارزاني رئيس حكومة إقليم كوردستان في كلمة له على سروره بإنعقاد المؤتمر ، مؤكداً على سروره الكبير بأن أحد محاور النقاش في المؤتمر مخصص للبحث في سبل مواجهة التطرف والإرهاب، لكونها قضية عالمية ودولية كبرى، واهتمام علماء الدين بها دليل على حيوية وقوة اتحاد علماء الدين الإسلامي في كوردستان، مؤكداً على أنَّ لإقليم كوردستان من الناحية العسكرية، مشاركة مشهودة في الحرب على الإرهاب، ولا شك في ضرورة استمرار هذه المواجهة وتعزيزها من الناحية الفكرية أيضاً، وأن علماء الدين جزءاً رئيساً من هذه العملية".
وأضاف: "لقد تصدى اتحاد علماء الدين الإسلامي في كوردستان دائماً وبشدة لكل الذين تعرضوا باسم الدين للثورة وللشعب الكوردستانيين، وكان له دور بارز في تعزيز المشاعر القومية والوطنية. وفي نفس الوقت كان له دور هام وتاريخي في الحركة الثقافية والأدبية بكوردستان، وبعد الانتفاضة، كان اتحادكم قوة كبرى صمدت في وجه كافة الهجمات والضغوط والمحن، وكان له دور كبير في إصلاح كثير من القوانين الهامة في إقليم كوردستان".
وتابع: "كان لعلماء الدين واتحاد العلماء دور كبير في التصدي لداعش، وبيان النهج الخاطئ واللاإسلامي واللاإنساني لداعش، وكذلك في الدفاع عن جميع شعب كوردستان في مواجهة ذلك التنظيم الإرهابي"، مبيناً أنه "كان لاتحاد العلماء دور رئيس في صدور فتوى عن مفتي مصر والأزهر ومؤسسة الفتوى الأردنية بعدم شرعية القتل الجماعي والخطف الجماعي اللذين ارتكبهما داعش بحق أخواتنا وأخواننا الأيزيديين في منطقة سنجار".
وأشار إلى أن اتحاد العلماء كان دائماً واحداً من الجهات المساندة لحكومة وشعب كوردستان، في استمرار التعايش النموذجي بين جميع الأديان والمذاهب والقوميات قوياً في كوردستان. إن جميع هذه المواقف من جانب علماء الدين الإسلامي في كوردستان، هي حقاً محل تقدير ومباركة من حكومة وشعب كوردستان".
وذكر أن "بيشمركة كوردستان تولت حماية حياة جميع سكان كوردستان وحفظ الاستقرار في العالم كله من ذلك التنظيم الإرهابي. وقد أقدم داعش الذي يستهدف على الدوام الحياة والإعمار والرخاء والتقدم، ومنذ العام 2014 وإلى اليوم على قتل العديد من علماء الدين الإسلامي، والآلاف من أتباع جميع الأديان، وخرب معابد الجميع، ولهذا فإن واجب الاتفاق على برنامج مشترك لمواجهتهم يقع على الجميع".
وشدد على أنه "كان السبب الأول لتشويه الدين وظهور التطرف باسم الدين، هو غياب أسس التعايش والتسامح، وتعزيز خطاب العنف وزرع بذور الكراهية بدلاً عنها. ولمنع التطرف الديني والإرهاب، يجب وضع حد لتنامي هذا الخطاب ووجوده"، مبيناً أن "الإرهاب هو أكبر خطر في عالم اليوم كله. ومن المؤسف أن المضلين باسم الدين، يمارسون هذا الإرهاب باسم الدين الإسلامي الحنيف، لكن الذي يدعو إلى الارتياح هو أن المجتمع الدولي لم يخضع لتأثير ذلك التضليل، وأعلنت الجمعية العامة للأمم المتحدة (من خلال الستراتيجية العالمية للأمم المتحدة لمواجهة الإرهاب) في أيلول من العام 2006 أنه لا يمكن ولا يجوز ربط الإرهاب بأي دين أو جنس أو حضارة أو جماعة عرقية بحد ذاتها". وقد أصبحت هذه الستراتيجية العالمية أساساً للتعاون الدولي الشامل على مواجهة الإرهاب".
ومضى بالقول: "في ذات الوقت وضعت غالبية الدول ستراتيجيتها الوطنية لمواجهة الإرهاب. ولدى إقليم كوردستان قانون لمواجهة الإرهاب، لكنه بحاجة إلى ستراتيجية على الصعيدين المدني والمجتمعي. ويستطيع اتحاد علماء الدين الإسلامي في كوردستان أن يكون عوناً للبرلمان والحكومة ومنظمات المجتمع المدني في صياغة وتطبيق هذه الستراتيجية، التي يجب أن تهتم بالجوانب التربوية، الثقافية، الاقتصادية، والمناهج والنظافة الفكرية. ولهذا يجب أن تبني هذه الستراتيجية شبكة عمل مشترك متعددة الجوانب تضم المؤسسات الحكومية والمجتمعية معاً".
وأكد أنه "بإمكانكم من خلال التعاون مع وزارات الأوقاف والشؤون الدينية، الداخلية، التربية، التعليم العالي، العمل والشؤون الاجتماعية، الثقافة، الجامعات ومؤسسات الحكومة أن ترسموا ستراتيجية ناجحة وتطبقوها في مواجهة الإرهاب، وقد كان لمنابر الجوامع في إقليم كوردستان دور هام جداً في مواجهة الإرهاب وتوعية الشعب وتحذيرهم من الفكر الإرهابي، ولهذا يجب أن نضع أهمية المنابر في تنبيه الناس إلى خطر الإرهاب والفكر الإرهابي نصب أعيننا دائماً".
وتابع: "نرى أن المستقبل الأكثر إشراقاً لأي بلد في هذه المنطقة يعتمد بالدرجة الأولى على التعايش السلمي بين الأديان والمذاهب المختلفة. وقد رأيتم بأنفسكم كيف باتت منطقة الشرق الأوسط في الأعوام الثمانية الأخيرة ساحة لأحداث مأساوية نجمت عن اختلافات في الفكر الديني. وبإمكاننا أن نجزم بأن إقليم كوردستان هو الاستثناء الوحيد من تلك الأحداث، وقد أمضينا ثمانية أعوام في سلام وأمان، وأصبح المجتمع الكوردستاني في ظل هذا السلام والأمان، ملاذاً لجميع الأديان التي جوبهت بالعنف في سائر مناطق العراق وسوريا".
وبين أنه: "لقد احتضن رجال الدين في كوردستان وقادتنا العظام الإسلام بمعناه الإنساني الواسع، ومازال شعب كوردستان متمسكاً بالنهج الذي خطه أولئك الرجال، خلال مسيرته التاريخية ولن يحيد عنه. وهناك أمثلة كثيرة في تاريخ كوردستان، حمل فيها رجال الدين أو المدارس الدينية راية الاستقلال والخصوصية الوطنية".
وشدد على أنه "نحن نعتقد بأن المضي صوب أهداف عصرية لا يخالف الفكر الديني في شيء، والذين يصطنعون خلافات بينهما، إنما يرتكبون خطأ كبيراً ويلحقون بالبلاد ضرراً جسيماً"، مبيناً أن "هدفنا كسلطة سياسية هو أن يعيش شعب كوردستان على أرضه سعيداً، نريد استمرار التعايش بسلام بين الأديان على هذه الأرض، نريد أن يظل المجتمع الكوردي ملاذاً وحاضنة لأخواتنا وإخواننا من الأديان والمكونات المختلفة. وكل هذا بلا شك سيسرّع من بلوغ وتحقيق أهدافنا وتطلعاتنا".
ولفت إلى أنه "نحن نرى دوركم وخطبكم في الجوامع وتصريحاتكم للإعلام في سبيل السلم والتعايش. وإن كان هناك تبادل انتقادات بينكم وبين الحكومة، فقد كان هادئاً وبنّاء. ويجب أن يستمر هذا الهدوء والأخوة دائماً. نحن بحاجة إلى أمرين يمكن أن تحققوهما، وأنتم أعلم بهما، أولهما: حث الناس على عمل الخير ونهيهم عن عمل السوء، والثاني: تعليم الناس بأن الدين إنما جاء لسعادة الحياة البشرية وليس من أجل العنف وإيذاء الآخر".
وثمن الرئيس مسعود بارزاني في رسالة وجهها الى علماء الدين الكوردستانيين بمناسبة عقد المؤتمر السادس، عملهم، متمنيا لهم النجاح.
ونوه الرئيس بارزاني الى أن القسم الأكبر من ثورات الشعب الكوردي من أجل الحرية والتخلص من الإحتلال كانت على يد رجال الدين وكبار رجالاتهم، لافتاً إلى أن ذلك دليل على مكانة وقيادة علماء الدين في نضال وكفاح شعب كوردستان.
وطالب بارزاني في رسالته علماء الدين عدم السماح للخلافات الصغيرة أن تتحول إلى نزاعات كبيرة وتفرق العلماء، مؤكداً أن ذلك سيكون له تأثير سلبي على مبادئ التدين والتربية لمستقبل الشعب الكوردستاني.
وأكد بارزاني على أن إتحاد علماء الدين الكوردستانيين قد تأسس من أجل رجال الدين ومصالح الوطن، مشدداً على الحفاظ على ثقل أهدافه التي تأسس من أجلها ببرنامج ومشروع مكثف.
هذا واستمر المؤتمر لمدة يومين متتاليين، حيث ثمَّن المؤتمرون في اليوم الأول أعمال الهيئة السابقة و تفاصيل عملهم خلال الثمان السنوات المنصرمة، كما و ناقش المؤتمرون في اليوم الثاني المنهاج و النظام الداخلي و الخطة الجديدة لعمل إتحاد علماء الدين الإسلامي في كوردستان، وفي آخر جلسات المؤتمر تم انتخابا 31 عضوا كأعضاء لمجلس القيادة الجديدة لإتحاد علماء الدين الإسلامي في كوردستان.