د. عبدالله الشيخ سعيد الكوردي رئيس إتحاد علماء الدين الإسلامي في كوردستان إنتشرت في وسائل الإعلام و شبكات التواصل الإجتماعي مقاطع فيديو ترجع إلى تنظيم داعش لأطفال صغار في تشكيلات ينشدون ويتدربون على أنواع الأسلحة،وبعضهم يطلقون النار على أشخاص أو يتدربون حاملين رشاشات، ويدعو الأطفال بــ (صغار الخلافة أو أشبالها) حسب تعبيرهم، فهم يقومون بتوثيق تجنيدهم للأطفال من خلال نشر عدد كثير من الصور ومقاطع فيديو لهم في أشرطتهم الدعائية. فهم يزعمون أنَّ ما يقومون به له أصل من الشريعة الإسلامية، ولكن بعد التحري و التقصي يظهر لنا جلياً أنَّ ما يقومون به مخالفٌ تماماً للشريعة الإسلامية السمحة التي تدعوا إلى الرحمة بالناس صغيراً كان أو كبيراً، فهل من الرحمة تربية الأطفال الذين لم يبلغوا الحلم على العنف و القتل و الذبح والدمار، في حين نرى أنَّ الإسلام إهتم بالطفل إهتماماً كبيراً،حيث ركزَّ على حمايته و صيانته عن كل مايؤذيه،و تمتعه بالأمن و الإستقرار ، كما و أقرت الشريعة الإسلامية جملة من المبادئ والأحكام تكفل بها صون الأطفال وحمايتهم أثناء الحروب والنزاعات المسلحة، حيث نهى عن قتلهم في الحروب، بلا إستثناء بين أولاد المسلمين أو المشركين، وأجمع الفقهاء على تحريم قتل الأطفال أثناء النزاعات المسلحة وعدم التعرض لهم، وقد نهى النـبي - صلى الله عليه وسلم - نهياً صريحاً عن قتل النساء والصبيان أثناء المعارك و الحروب، حيث قال صلى الله عليه وسلم: "ما بال أقوام بلغ بهم القتل إلى أنْ قتلوا الذرية؟ ألا لا تقتلوا ذرية، ألا لا تقتلوا ذرية"، قيل: يا رسول الله، أو ليس هم أولاد المشركين؟ قال: "أوليس خياركم أولاد المشركين". لماذا أتفق الفقهاء على جعل البلوغ شرطاً من شروط الجهاد؟ ألم يكن ذلك لكون الغير البالغ لا يقوى على المقاتلة، فيكون عبئاً على الجيش من النفقة والرعاية، فهم بقيامهم بتجنيد الأطفال خالفوا الإجماع،و هناك من الأدلة الصريحة التي لا تجيز بأي شكل من الأشكال على جواز إنخراط الصبيان في صفوف القتال. حيث ثبت في الصحيحين أنَّ ابن عمر رضي الله عنهما قال:"أنَّ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عرضه يوم أحد وهو ابن أربع عشرة سنة ، قال: فلم يجزني، ثم عرضني يوم الخندق وأنا ابن خمس عشرة سنة فأجازني"، و ما ثبت عن البراء بن عازب - رضي الله عنه – أنَّه قال: استصغرت أنا وابن عمر يوم بدر ، و ثبت أيضاً أنَّه – صلى الله عليه وسلم- ردَّ أيضاً زيد بن ثابت و رافع بن خديج عن الخروج إلى الجهاد لصغرهم. قلت: فظاهر ما ذكرناه يدلُ دلالة واضحة على أنَّه - صلى الله عليه وسلم - لم يجزهم للخروج إلى الجهاد إلا لأنَّهم لم يكونوا بالغين، لأنَّ القتال تكليفٌ، و الصبـي غير مكلفٍ، ويضعف عليه معرفة القتال ومقاومة الأعداء، فدلَّ هذا على اشتراط البلوغ لوجوب الجهاد . وما استدلوا به من حديث سمرة بن جندب أنه قال:عرضت على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فردني وأجاز غلاماً، فقلتُ رددتني وأجزته ولو صارعته لصرعته، فَقَالَ صَارِعْهُ فَصَارَعْتُهُ فَصَرَعْتُهُ فأجازني، إستدلال في غير محله، لأنَّ حديث سمرة يدلُّ على أنّه -صلى الله عليه وسلم- حينما أجازه كان غلاماً قوياً، والغلام هو من بلغ الإحتلام لدلالة قوله تعالى ( وإذا بلغ الأطفال منكم الحلم فليستأذنوا... ) و القوة تكمن بالإحتلام، ومن لا قوة له لا يقدر على المصارعة، لأنَّ المصارعة لا تكون إلا بالقوة. وأما استدلالهم بإمارة أسامة بن زيد فهو أيضاً ليس في محله،لأنَّ تأمير أسامة بن زيد على الجيش كان لعبر كثيرة و حكم عالية تنظر في مظانها، ولم نعلم أنَّ حادثة أخرى حصلت مثلها، بل كان عامة أمراء الجيش من الكبار المتمرسين في القتال، وأسامة في حينها كان رجلاً، ولم يكن طفلاً، و إلا لردَّه كما ردَّ مجموعة من الصبيان و الأطفال يوم بدر، و تأميره لأسامة حادثة عينٍ لا عمومَ لها- أي لا يؤخذ منها عموم الجواز- كما قال به الأصوليون. فبناءً على ماسبق،يتضح لنا جلياً أنَّ ما يقوم به إرهابيوا داعش من تجنيد الأطفال مخالفٌ تماماً لتعاليم الشريعة الإسلامية السمحة، فتجنيدهم وتدريبهم على العنف والقتل يعدُّ من الظواهر الخطيرة وخاصة مع عجز المجتمع الدولي عن وضع حدٍ لها، ولا تقتصر تبعات هذه الظاهرة على الوقت الراهن فحسب، بل ستنعكس تماماً على مستقبل المنطقة بأكمله وتؤثر سلباً على المجتمع و بالأخص بعد إنهيار داعش، لأنَّ إنسانية هؤلاء الأطفال ذبحت منذ نعومة أظفارهم، فترعرعوا على القتل والذبح منذ صغرهم، أي أنَّهم لم يروا في الحياة إلا القتل وسفك الدماء، وهذا ما ينبئ بأنَّ هؤلاء الأطفال سيكونون في المستقبل أكثر قسوةً وإجراماً من أفراد التنظيم الحاليين، وهذا ما يستدعي على الجميع وبالأخص المؤسسات السياسية و الدينية والتربوية العمل السريع والجاد والموحد لمحاربة هذه الظاهرة من خلال القضاء على الإرهاب وتجفيف منابعه ومحاسبة الداعمين والممولين، وإلا فإنَّ المجتمع الدولي بأسره يكون في خطر و يواجهة كارثة كبيرة لا يمكن القضاء عليها و تكون لها أثار سلبية يتضرر منها الجميع. |