نعمل كثيراً ونجد ونجتهد، ثم نجد بعض الناس يوجّه لنا النقد الذي ربما يكون لاذعاً، وقد يكون في محله أحياناً، وقد لا يكون كذلك في أغلب الأحيان، فكيف نحمي أنفسنا من النقد السلبي الجارح؟ يقول البعض: إذا أردت أن تسلم من النقد لعملك فلا تعمل شيئاً، البعض يفهم من هذه العبارة المعنى السلبي، وهو أن يجلس دون عمل، مع أن الناس تنتقد غير العامل أيضاً وتتهمه بالكسل، فالمقصود من العبارة أنك لا بد أن تعمل، ولا تجعل نقد الآخرين عائقاً لك؛ لأنك مهما فعلت لن تسلم منه أبداً. لن تسلم من النقد؛ لأن في الدنيا الحاسد، والحاقد، الكسول والخامل، والعاجز، وهؤلاء ينظرون إليك، ولا يحبون لك النجاح أو التوفيق بسبب دوافعهم النفسية المريضة. فالحاقد والحاسد ربما حاول كل واحد منهما أن يفعل مثلما تفعل، أو أن يصل إلى المكان الذي وصلت إليه، لكنه لم يوفق لذلك، لسبب أو لآخر، أو لأن وقت وصوله لم يحن بعد، فبدل أن يكثف جهده، ويشمر عن ساعد الجد والاجتهاد، يقوم بالحط من جهودك، وإلصاق العيوب بك، ظناً منه أنه لو وصمك بالفشل سيظهر متفوقاً عليك، وهيهات. وبسبب حسده أو حقده لا مانع عنده أن يغتال شخصيتك، ويلصق بك أبشع التهم، فلا تلتفت إليهما، واستمر بنجاحك. أما الكسول والخامل والعاجز، فكل منهم لا يبذل الجهد المطلوب للوصول إلى النجاح، ثم هو يجلس ينتقد ويقلل من نجاحات الآخرين: هذا وصل بالواسطة، دفع رشوة ليصل، هذا باع دينه وضميره، وغير ذلك من الإفك والبهتان، والغرض أن يقول أنك فاشل، وأنّ الانحراف أو الحظ هو من ساعدك، نافياً عنك التوفيق، والعصامية والجهد، فلا تلتفت لهؤلاء وليموتوا بغيظهم. هذه هي الدنيا لا تخلو من تلك النماذج المريضة، وربما لن نقدر على تغييرهم، ولكننا نقدر على التعامل مع آرائهم السلبية المدمرة، وأول وسيلة لذلك أننا نتجاهل ما يقال وكأنه لم يُقل أبدا، نعم التجاهل خير وسيلة للتعامل مع هؤلاء، وهذا يحتاج إلى تمرين، ربما لا يقدر عليه الإنسان من أول مرة، ولكن عليه أن يَحمِل نفسه عليه حملاً حتى يعتاد عليه. على الصعيد الشخصي ربما حزنتُ لأول نقد تعرضتُ له، وأصابني الاكتئاب لفترة، ثم تذكرت أن الأنبياء والصالحين تعرضوا للسب من قومهم، فصبروا وأكملوا إيصال رسالاتهم بكل حب، ولم يقفوا عند أية إهانة أو نقد، وهم قدوتنا وأسوتنا، ولذلك صرت اليوم إذا قرأت نقداً –خاصة إن كان في غير محله- أضحك أو أبتسم، ثم أدعو لصاحبه بالمغفرة وأعلن مسامحتي له؛ لأنني لا أريد أن يُحاسب بسببي. ليس المهم الكلام الصادر في حقك، المهم هو موقفك من قدرته على اختراق عقلك أو مشاعرك وأحاسيسك، ولا بد هنا أن ترتدي درعاً واقياً من التجاهل والثقة بالنفس؛ كي تمنع تلك الكلمات القاتلة التي تريد أن تصل لقلبك أو عقلك فترديك قتيل الإحباط أو القهر. الماء لا يُغرق القارب إلا إن وصل إلى داخله، أما إن لم يصل فسيظل القارب يسير فوقه، وهكذا ينبغي أن تكون، لا تمكّن سيل الكلمات الجارحة من الوصول إلى نفسك أو عقلك أو قلبك لتطفو عليها وتكمل مسيرتك. |