الحمد لله الذي خلق الخلق ليعبدوه، وأودع فيهم العقل ليعرفوه، وأسبغ عليهم نعمه ظاهرة وباطنه ليشكروه، وأشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمداً رسول الله صلوات ربي وسلامه عليه وعلى من سار على نهجه واستنّ بسنته واقتفى أثره إلى يوم الدين، أما بعد: قال تعالى في محكم تنزيله: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالأَنصَابُ وَالأَزْلاَمُ رِجْسٌ مِّنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ) المائدة / 90. لقد حرم الله عز وجل في كتابه الخمر ولعن شاربها وعاصرها وحاملها والمحمولة إليه، وهي أم الخبائث وأصل الشرور، قال عليه الصلاة والسلام: (الْخَمْرُ أُمُّ الْخَبَائِثِ وَمَنْ شَرِبَهَا لَمْ يَقْبَلِ اللَّهُ مِنْهُ صَلَاةً أَرْبَعِينَ يَوْمًا، وإِنْ مَاتَ وَهِيَ فِي بَطْنِهِ مَاتَ مَيْتَةً جَاهِلِيَّةً) رواه الطبري. ولقد حرمت الشريعة الإسلامية الخمر؛ لدفع الضرر عن الإنسان وحماية للدين والعقل والنفس والمال، وإذا كانت علة تحريم الخمر هي الإسكار، وما تسببه من أضرار فإن كل مادة تؤدي إلى ذهاب العقل وحدوث الإسكار تأخذ حكمها، لقوله عليه الصلاة والسلام: (كُلُّ مُسْكِرٍ خَمْرٌ، وَكُلُّ مُسْكِرٍ حَرَامٌ). رواه مسلم ومن هنا فإن النبي صلى الله عليه وسلم، يقرر في هذا الحديث أن كل شيء يفعل بالإنسان فعل الخمر فإنه يأخذ حكمها بالتحريم، وعليه فإن المخدرات والمفترات بأنواعها والتي تحدث في الجسم والعقل ما تحدثه الخمر بل أشد، فإنها تكون محرمة بمفهوم النصوص الشرعية المحرمة للخمر. فالمخدرات إخواني هي آفة المجتمعات اليوم، وهي أم الخبائث وأصل الشرور، وهي أصل كل بلية وأساس كل رذيلة. المخدرات تهتك الأستار، وتظهر الأسرار، وتدخل صاحبها في دائرة الفجار. المخدرات هي طريق سريع للموبقات، وسبيل يهتك كل المحرمات، فهي تمزق الحياء، وتطفي شمعة الغيرة من الصدور. المخدرات هي انتحار بطيء، وإزهاق للروح وهي مهلكة للجسد، وهي حاضر مسموم ومستقبل مجهول إما إلى الانتحار وإما إلى السجون، والله عز وجل يقول: (وَلَا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا) النساء / 29. فيا الله كم وكم بها وبسببها نفوس أزهقت، وأسر شتت، وأعراض دنست، وعقول عطلت، وأموال ضيعت. فيا الله كم أبكت هذه السموم من والد ووالدة. كم رملت من زوجة، وكم يتمت من طفل، والد يشكو وأم تبكي، وزوجة حيرى وأولاد تائهون. فيا الله هذه السموم كم أفقرت وأذلت، ومن النقم ما جلبت، ومن النعم كم حرمت. فيا الله هذه السموم كم أورثت من حسرة، وأجرت من عبره، وأوقعت من بليه، وعجلت من منية، وصدق رسول الله صل الله عليه وسلم حينما قال: (لَا تَشْرَبِ الْخَمْرَ، فَإِنَّهَا مِفْتَاحُ كُلِّ شَرٍّ). رواه ابن ماجه. وإياك شرباً للخـمور فـإنها تسود وجه العبد في اليوم والغد وكل صفات الذم فيها تجمعت كذا سميت أم الفـجور فأسند متعاطي المخدرات مفسد لدينه وبدنه، جانٍ على نفسه وأسرته ومجتمعه، عابث بكرامته وجوهر إنسانيته، ومتى ما غاب عقله نسي ربه ونسي نفسه، وأصبح أشبه بالدواب، بل هو أضل سبيلا، فقد يقتل أو يسرق، أو يبيع نفسه وعرضه وماله، من أجل حبة مخدر أو جرعة مفتر. شباب في عمر الزهور فقدناهم، أو ما زالوا عالة على أسرهم ومجتمعاتهم، كان يمكن أن يكونوا عناصر بناء وتنمية في أوطانهم، يسعون لسعادة أسرهم، وبناء أوطانهم، ورفع رؤوس أقاربهم، فإذا بالمخدرات تحولهم إلى مخلوقات ضارة تهدم ولا تبني، تضر ولا تنفع، لا تبالي بخلق ولا بدين ولا بأرض ولا بعرض. وما حصل بسبب المخدرات من جرائم بشعة تقشعر لها الأبدان، ولا يتخيلها وجدان، ويعجز عن وصف بشاعتها اللسان، ما هي إلا نذير خطر يوجب علينا أن ننتبه لها، وأن نحذر أبناءنا منها ومن خطرها. فيا شبابنا الله الله في أنفسكم. واعلموا أنكم أمام مؤامرات خطيرة، وعصابات إجرامية، وهجمات شرسة، ومخططات عدوانية حاقدة، يشنها عليكم عدوكم بشتى الوسائل، مستخدمين طرقا ماكرة، وأسلحة فتاكة خفية، وأسماء جالبة، فيوهمون الشباب بأنها تجلب السعادة والنشوة، وتقوي الذاكرة وتعين على المذاكرة، وما هي في الحقيقة إلا سموم، يريدون من خلالها القضاء على الأمة في أعز ما تملك، تقضي على العقول وتلوث الأفكار، إنها إخواني معاول تهدم أخلاق هذه الأمة، وقلبها النابض رجال غدها وبناة حضارتها. فالوعي الوعي يا شباب الأمة، واحذروا من الرفقة السيئة، من ضعاف النفوس عديمي المروءة، فإن المخدرات لا تحتمل التجارب؛ فلرب حبة واحدة كانت نهايتك، ولرب حبة واحدة كانت طريقك إلى الإدمان، ولرب حبة واحدة كانت كفيلة بضياعك وضياع مستقبلك، ولرب حبة واحدة قادتك إلى السجون ومراكز علاج المدمنين. فاحذر الرفقة السيئة والرسول صل الله عليه وسلم يقول: (الْمَرْءُ عَلَى دِينِ خَلِيلِهِ، فَلْيَنْظُرْ أَحَدُكُمْ مَنْ يُخَالِلُ). [ابن السبكي في طبقات الشافعية]، فلا تجعلوا أنفسكم عبيدا للمخدرات، تسوقكم نشوة دقائق وتقودكم متعة لحظات، تكونوا بعد ذلك رهائن في أيدي المروجين والمفسدين، فتذهب الشهوات وتبقى الحسرات تذهب اللذات وتبقى الدمعات. قد هيئوك لأمر لو فطنت له فاربي لنفسك أن ترعى مع الهمل. إن تجار هذه السموم المفسدون في الأرض، همهم أن يحققوا ربحا ماديا، همهم أن يركبوا سيارات فارهة، همهم أن يبنوا قصورا فاخرة، فهم لا يبالون من يكون الضحية، ولا يبالون بشباب في عمر الزهور أضاعوا أنفسهم ومستقبلهم، ولا يبالون بدمعات أم ثكلى تنظر إلى ولدها وهو صريع المخدرات، لا يبالون بدين ولا خلق ولا بأرض ولا بعرض ولا بوطن، هؤلاء القتلة المفسدون في الأرض قد انسلخوا عن دينهم، وعن إنسانيتهم. فالواجب علينا أن نكون لهم بالمرصاد؛ لأن محاربة المخدرات مسؤولية جماعية، لا تقع على عاتق الأجهزة الأمنية التي نسأل الله لهم التوفيق والسداد في عملهم، فهم يواصلون الليل بالنهار ويخاطرون بأنفسهم وأرواحهم، حماية لنا ولأرضنا ولوطننا من هذه الآفة، فالمسؤولية تقع على عاتق كل واحد منا، فأنت على ثغرة من ثغر هذا الوطن فلا يؤتين من قبلك. إن مروجي المخدرات يرون في المدارس والجامعات الحاضنة للشباب والفتيات بيئة خصبة لنفث سمومهم وترويج بضاعتهم، فينصبوا شباكهم ليوقعوا فريستهم نحو الدمار والضياع. فالحذر الحذر من ذلك. إن تجار السموم هؤلاء يد خبيثة، تمتد إلى أبنائنا يجب أن تقطع، وأن المخدرات مرض عضال، يجب أن يستأصل، ولا يكون ذلك إلا بهمة الجميع من آباء وأمهات ومدارس وجامعات، وإعلام ومؤسسات وندوات ومحاضرات؛ لنحصن المجتمع بأسرة من هذه الآفة الخطيرة والسم القاتل، وصدق الله إذ يقول: (يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلَائِكَةٌ غِلَاظٌ شِدَادٌ لَا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ) التحريم / 6. |