من قرأ رسالة الرئيس مسعود بارزاني الى المؤتمر السادس لاتحاد علماء الدين الإسلامي في كوردستان، وإستمع الى كلمة رئيس حكومة الإقليم، نيجيرفان بارزاني خلال المؤتمر المذكور، يلاحظ أن مشاريع عدة تتبلور في الرسالة والكلمة. مشاريع تختلف في درجة الخطاب من حيث الطرح وبيان الأهداف والمبررات، وتتوحد في الرؤية المنسجمة مع مبادىء الدين الإسلامي وحقوق الإنسان والأسس والثوابت الممكنة من خلالها التعامل مع المتغيرات، وتدل على الإرث الغالي والرصيد السياسي والتاريخي الذي يمنح التدين والتسامح والتعايش في كوردستان أنواعاً من قوة الدفاع عن مشروع وطني وقومي واضح المعالم، وإستيعاب المسؤولية وإستشراف المستقبل. كما يمكن إعتباره السبيل الآمن نحو المستقبل في ظل الظروف والتعقيدات والتحديات والمتغيرات الاقليمية والدولية ومـآلاتها الخطرة، وهذا الظرف السياسي المفصلي الذي يخرج فيه الجميع إما منتصرين او منكسرين. يتفق الكثير من المراقبين للمسار الديني في الاقليم، على أنه لم يخضع للوهم والمزاج، إلا نادراً، ولم يتم فيه تعقيد البسيط وتحريم الحلال. وحتى الواهم والمعقد والمزاجي الباني أساس طموحاته على أريكة الأوهام، والبعيد عن أرض الواقع المنظور، عندما كان يحاول ان يدفع الناس بإتجاه العنف والتطرف والتشدد، والخروج عن السكة والحاضنة القانونية والإنسانية، وتعميم حالة الفوضى، عبر التجاوز والتطاول والمبالغة الممجوجة والتخطيط لإثارة الفتن والافتراء والتضليل والخداع، كان يعلم و يدرك بأنه سيتم تجريده من التخيلات بمجرد إنكشاف أبعاد نياته المبيتة المربكة، لذلك كان يتهرب من مواجهة الحقائق من أجل إخفاء رأس جبل الجليد الذي لايمكن تقبله، أو يترك التمسك بأذيال أحلامه. في مقابل هؤلاء، وطوال التاريخ كان هناك أناس متدينون وعلماء دين يدفعون الناس نحو التفاؤل وإنتهاج الإخلاق والقيم العالية والتقاليد الرشيدة، لمنع تحول المشكلات الصغيرة الى كوارث تصعب معها لغة الحوار والتفاهم والتصالح والتعايش، فيطرحون التوجهات التي تحمل الصفات الدينية والوطنية والقومية التي تتطابق مع المنطلقات العقلانية، والتي تردم شروخ التفرقة، بين أبناء شعب سالت منه أنهاراً من الدماء وضحى بمئات الآلاف من أبنائه، شعب يريد الخلاص من الاستعباد والظلم وأن يحدد رغبته ومصيره ومستقبله وأن يعيش كباقي الشعوب الحرة. كما تصدوا للأفكار العنفية والفوضوية المفعمة بتشويه الحقائق والتوتر والبلبلة، ودعموا التوجهات المتطابقة مع الواقع في المعنى والمضمون والمتوافقة مع الرغبات والتطلعات والمصالح العامة والتي تحمل بين جنباتها المفاهيم التي تضمن العدالة والمساواة والتعايش، وتكرس بناء ثقة التواصل والعمل المشترك إستناداً الى منطق موضوعي وعقلاني يتجسد في إدراك أبعاد التحديات التي تواجهنا والمخاطر المحدقة بنا، واعادة المسارات ومستحقاتها الى سبلها الصحيحة.. في كل أيام المحن التي مرت علينا، كان (غالبية) رجال الدين يؤكدون على ضرورة إدراك المخاطر، وقراءة الحقائق، وعلى ضرورة تجاوز التناقضات والأوهام والخلافات، والوحدة للدفاع عن مصالحنا. وكانوا يؤكدون على أننا أصحاب ضمائر حية، ولسنا عنصريون منهمكون في صناعة الأعداء، ولسنا متعامون عن الحقائق، وبفضل إرشادات ونصائح هؤلاء، وأولهم البارزاني الخالد، لم نفكر يوماً في الإنتقام، ولم نقع يوماً ضحية للسذاجة أوالعصبية، ولم نقم بدفن أحد حياً في مقابر فردية أو جماعية. وحتى عندما كانت الحرب العراقية مستعرة ضد الكورد، وكانت كل مدن العراق تعج بمئات آلاف من الكورد المؤيدين للثورة والرئيس بارزاني، لم نشاهد كوردياً مفخخاً أو أنتحارياً يلجأ الى تنفيذ التفجيرات أو يمارس الإغتيالات والإختطافات في سوق شعبي أو أمام مدرسة أو جامع أو حسينية أو بين العمال والكسبة أو بين الجنود ورجال الأمن. |