لماذا لا نفضل العزلة..؟

عبد الله خالد فائز المدرس

  كلية التربية/ مخمور

 

      في هذه الأيام العصيبة يمر المجتمع الإنساني بمرحلة حرجة في تاريخ بناء مدنيته وحضارته، حيث نلحظ الأمة الإنسانية وجميع شعوب العالم يكافحون في مواجهة عدّو مستجدٍ مخفي لا يرى بالعين المجردة، ذلك العدو المسمى بفيروس كوفيد - ١٩، وفي مسار النضال الاجتماعي والعلمي ضد هذا الفيروس اضطرت المجتمعات المتضررة إلى اتخاذ إجراءات عديدة ومختلفة للحد من المخاطر التي يواجه النوع الإنساني جراء الإصابة بمثل هذه الجائحة.

     في هذا المضمار ومن أجل حماية الأفراد من الوقوع في شرك هذا الوباء لجأت السلطات في المجتمعات المصابة إلى فرض العزلة، والابتعاد عن الاختلاط، وتجنب الأماكن المزدحمة، وعدم الخروج من المنازل إن لم يكن هناك ضرورة ملحة، لكن مع الأسف الشديد نجد فئات من المجتمع لا تعي أهمية هذه الإجراءات، ولم تلتزم بالتعاليم التي تفرض المكوث بالمنازل، غير مدركين أن تلك التصرفات غير المسؤولة قد تسبب كارثة مجتمعية تحرق الأخضر واليابس، فالمتتبع للأخبار العالمية، يجد أن الشعوب التي التزمت بالتوجهات الصادرة من الجهات الصحية والدولة مثل الصين وكوريا الجنوبية ودول أخرى تمكنت من السيطرة على الفيروس، أمّا الشعوب التي لم تتبع التعاليم والإرشادات فشهدت زيادة ملحوظة في أعداد المصابين والوفيات.

      ومع أول ظهور لهذا الوباء في منطقتنا أدركت الجهات المعنية خطورة  هذه الجائحة، لذلك استبقت حكومة إقليم كوردستان انتشار الفيروس، وقامت بفرض إجراءات احترازية ووقائية للحيلولة دون تفشى العدوى، وفي مقدمة تلك الإجراءات تتأتي تعليق الدراسة الأولية والجامعية، وتعليق الدوام في المؤسسات الحكومية والخاصة كي تبقى الأفراد في منازلهم، ولكي تتمكن من فرض الحجر الصحي الشامل.

       في هذه الأثناء نرى كثيرا من الناس لا يطيب لهم الاعتزال وترك الاختلاط، والسبب يعود إما إلى طبيعة الوضع الاجتماعي والثقافة المجتمعية الموروثة في المجتمعات الإسلامية،  حيث لم يسبق لها أن تتعرض لمثل هذه العزلة والبقاء في البيت لفترة طويلة، وهناك سبب آخر للتذمر من قبل البعض من الحجر الصحي يتعلق بالجانب الاقتصادي والوضع المعيشي الذي يعاني منه الكثير من الأسر التي تسترزق على العمل اليومي، إلا أن الحكومة أدركت صعوبة مثل هذه الحالات ولم تقصر في تقديم الدعم والعون اللازم للعوائل والأسر المعدمة.

      ورغم كل الصعاب المترتبة على الحجر الصحي إلا أن العزلة في هذه الفترة تبقى الحل الوحيد لمواجهة هذا الوباء، ولا يمكن الاستغناء عن الابتعاد  عن البعض؛ لذلك بدلا من التذمر ورفض هذه القيود المجتمعية ينبغي على الأفراد الامتثال لمثل هذه الاجراءات، واحترام هذه العزلة المؤقتة، واستغلالها بطرق شتى؛ من إجل الحفاظ على الصحة العقلية والنفسية والجسدية، ومما ينبغي أن يقوم به الأفراد في مثل هذه الأيام:

1-         الاعتناء بالمظاهر، والقيام بتغيير الملابس يومياً.

2-         الاعتناء بالجانب الجسدي، وذلك بتناول الطعام الصحي، وممارسة الرياضة بشكل يومي في البيت.

3-         الحصول على قسط وافر من النوم.

4-         الاهتمام بمطالعة الكتب ومناقشته مع أفراد العائلة أو الأصدقاء عبر وسائل التواصل الاجتماعي.

5-         تجنب متابعة الأخبار غير الموثقة.

6-         البقاء على اتصال دائم مع الأقارب، والزملاء، والأصدقاء عن طريق وسائل الاتصال ووسائل التواصل الاجتماعي.

7-         الحوار التربوي مع العائلة، واللعب مع الأطفال من أجل تنميتهم بدنياً وعقلياً.

       في ظل هذه الظروف الحرجة لا بد على كل فرد من أفراد المجتمع أن يلتزم بالعزلة خلال هذه الفترة المحدودة؛ لأنها نوع من أنواع السلامة للنفس والآخر، وفيها اقتداء بتعاليم الرسول الأكرم (صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) في سبيل مواجهة الأوبئة المعدية، حيث نصح الإنسان قبل 1400 سنة باعتزال العامة رغم أنه لم يكن خبيرا في مثل تلك الأمراض حيث قال: ( لا يُورِدُ مُمْرِضٌ علَى مُصِحٍّ) أخرجه مسلم، وقال: (إذَا سمِعْتُمْ الطَّاعُونَ بِأَرْضٍ، فَلاَ تَدْخُلُوهَا، وَإذَا وقَعَ بِأَرْضٍ، وَأَنْتُمْ فِيهَا، فَلاَ تَخْرُجُوا مِنْهَا) متفق عليه، ويتم العمل بهذه التوصيات لمواجهة خطر تفشي فيروس كورونا في يومنا هذا، فالابتعاد عن المريض أو بلد فيه عدوى يعد من قبيل الاتخاذ بالاسباب، والله هو المسبب.

       ولا يخفى على المتتبع كيف كان رسول الله (صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) يفضل العزلة على أفضل شرائع الإسلام - وهو الجهاد - في حديث مروي عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ (صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) قَالَ: (أَيُّ النَّاسِ أَفْضَلُ؟)) قَالُوا: اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ، فَأَعَادَهَا ثَلَاثَ مَرَّاتٍ، قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهُ مَنْ جَاهَدَ بِمَالِهِ وَنَفْسِهِ؟ قَالَ: «ثُمَّ مَنْ؟» قَالُوا: اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ، قَالَ:  ( مُؤْمِنٌ يَعْتَزِلُ فِي شِعْبٍ يَتَّقِي رَبَّهُ، وَيَدَعُ النَّاسَ مِنْ شَرِّهِ) أخرجه الشيخان في صحيحهما.

       وهذا الفيروس في هذا العصر شر وفتنة واجه شعبنا الكوردي مثل باقي الشعوب، والمجتمع الكوردستاني كمجتمع مسلم ينبغي على كل الأفراد الالتزام والمحافظة على قرارات الحكومة والجهات المعنية بخصوص مكافحة تفشي فيروس كورونا المستجد في بلدنا الحبيب، هذا الواقع لا بد أن يقبله الأفراد ويتعاملوا معه بشكل جيد ومنتظم، وينبغي أن يتذكر الجميع أن مثل هذه الإجراءات وقائية ومؤقتة، لجأت إليها جميع المجتمعات، وهذه الوقاية إنما منشؤهُ من الدين، عن أبي موسى الأشعري (رضي الله عنه) قال: قال (رسول الله صلى الله عليه وسلم): ( سلامة الرجل في الفتنة أن يلزم بيته). قال أبو موسى: (صدق رسول الله صلى الله عليه وسلم، في العزلة سلامة، فخرجنا وندمنا).

       ولا أرى أفضل من أن أختم هذه المقالة بمقولة للإمام العادل عُمَرُ بْنُ الْخَطَّاب(رضي الله عنه)  حيث قال:  (خُذُوا بِنَصِيبِكُمْ مِنَ الْعُزْلَةِ)، فمن أدرك أهمية العزلة فإنه يملك كل شيء، ولا شيء في الحياة أغلى وأهم من الحياة، ومَنْ يحبه المرء في هذه الحياة.