تحتل القدس مكانة مرموقة عند كل أصحاب الديانات السماوية، فهي عند المسلمين أولى القبلتين وثالث الحرمين ومسرى النبي عليه الصلاة والسلام، وهي عند النصارى مهد المسيح عليه السلام ومكان مولده، وهي عند اليهود المكان الذي عاش فيه ملكهم وبني فيه هيكلهم، وإليها سيعود المسيح حتى يقودهم إلى سيادة العالم وفق تقاليدهم وهي في نفس الوقت ذات طبيعة تجعل كل من يريد ملكا ومالاً يطمع فيها. وقد أوردت آثار الأمم القديمة المكتشفة هذا الاسم بصور مختلفة، فالأواني المكتشفة من عهد الفرعون ( سنوسرت الثالث- 1878 – 1843ق.م) تسميها (روشاليموم) أو (أوشاميم)، ورسائل تل العمارنة وهي المكتوبة بالخط المسماري على ألواح قديمة، وترجع في تاريخها إلى القرن الرابع عشر قبل الميلاد؛ أي إلى عصر الفرعون (أخناتون-1372 – 1354 ق.م). تنطقها (يوروساليم)، وأما مخطوطات الملك الاشوري سنحاريب فقد أوردت اسم القدس (يوروسليمو). وقد سبق اسم (يبوس) إلى الوجود كل الأسماء التي حملتها المدينة، حيث نسبها البناة الأوائل إلى أنفسهم. ومن الأسماء القديمة أيضا (القدس)، وقد ورد لدى المؤرخ والرحالة اليوناني الشهير هيرودوت - 484 ـ 425 ق.م) هكذا : (قديتس).) وللقدس أسماء عديدة فهي : صهيون ، ومدينة داود ، وأريئيل، وموريا، وإيلياء وتنطق إيليا، ونادرا إليا، أو بيت المقدس، ولكل اسم من الاسماء قصة وحكاية فلكثرة الغزاة على المدينة كثرت أسماؤها وتعددت فكل غاز كان يسميها باسم والجامع أو العامل المشترك بينهما هذه الأسماء أنها كلها مقدسة كل اسم كان مقدسا عند من أطلقوها وذلك دليل على مكانتها. وفيما تتناول أغلب القصص عن المدينة الصراع بين أصحاب ديانات مختلفة فإنهم جميعا يوحدهم تقديس وتبجيل هذه الأرض المقدسة. وفي قلب المدينة الذي يضم أزقة ضيقة توجد أربعة أحياء: المسلم والمسيحي واليهودي والأرمني وهي تضم بعضا من أقدس الأماكن في العالم. والحي الإسلامي هو أكبر الأحياء الأربعة ويضم: قبة الصخرة والمسجد الأقصى في منطقة يعرفها المسلمون باسم الحرم القدسي الشريف. ويعد المسجد الأقصى هو ثالث اكثر الأماكن قدسية في الإسلام بعد مكة المكرمة والمدينة المنورة، ويديره الوقف الاسلامي. وفي الإسلام أسرى الله بالنبي محمد من مكة حيث المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى في القدس، ثم عرج به من موقع قبة الصخرة إلى السماوات العلى. ويزور المسلمون هذا الموقع المقدس طوال العام، وخلال شهر رمضان يصلي مئات الآلاف من المسلمين في المسجد الأقصى. وفي داخل الحي المسيحي توجد كنيسة القيامة التي تتمتع بأهمية خاصة لدى المسيحيين في كل أنحاء العالم، فهي تقع في المكان الذي شهد موت السيد المسيح وصلبه وبعثه وفقاً للتقاليد المسيحية ، وقبره في الكنيسة وهي أيضا الموقع التي بعث منه. ويدير هذه الكنيسة ممثلون عن مختلف الكنائس فهناك: بطريركية اليونان الأرثوذكس، والفرنسيسكان من كنيسة الروم الكاثوليك، والبطريركية الأرمنية، فضلا عن االكنيسة القبطية التي تشمل المصريين، بالاضافة الى الكنيسة السريانية الأرثوذكسية. وموقع كنيسة القيامة من مقاصد الحج الرئيسية للملايين من المسيحيين في أنحاء العالم الذين يزورون قبر السيد المسيح، ويسعون لطلب العزاء والفداء من خلال الصلاة في الموقع. وعندهم ما يسمى بدرب الآلام وهو مقدس عند كل الطوائف المسيحية لاعتقادهم أن السيد المسيح قد سار فيه حاملا صليبه عندما اقتاده الجنود الرومان لصلبه تنفيذًا لأوامر الوالي الروماني بيلاطس. وفي الحي اليهودي يوجد الحائط الغربي أو حائط المبكى الذي يعتقد اليهود أنه البقية الباقية من سور أورشليم القديم، وأنه الحائط الخارجي لهيكل(= معبد) الملك سليمان الذي أكمل بناءه حوالي العام936ق.م، والذي دمره الملك البابلي الكلداني نبوخذنصر عام 586-587ق.م تدميرا كاملاً، وبعد قرار بناءه على يد كورش الاخميني عام537ق.م والذي أكتمل عام 515ق.م كما يشير العهد القديم، وقد رجمه الوالي الروماني على فلسطين هيرودوس عام 18ق.م، ودمر جانبًا منه القائد الروماني تيتوس عام 70م، وأتى على ما تبقى منه الامبراطورالروماني البيزنطي هادريانوس عام 135م، وغير اسم اورشليم الى (إيليا كابيتالونيا) تيمناً باسمه. ويقوم اليهود بزيارت حائط المبكى(= حائط البراق) وتقبيله وقراءة بعض النصوص التوراتية والتلمودية إلى جواره، وكذلك البكاء على مجدهم الضائع. ويعتقد اليهود أنه يوجد داخل هيكل سليمان قدس الأقداس، وهو أكثر المواقع قداسة لدى اليهود. كما يعتقد اليهود أنه بقدس الأقداس حجر الأساس الذي خلق منه العالم، فضلا عن أنه الموقع الذي كان سيضحي فيه النبي إبراهيم بابنه إسحق، ويعتقد الكثير من اليهود أن قبة الصخرة هي موقع قدس الأقداس، وأنها مبنية على هيكل النبي سليمان. واليوم فإن حائط المبكى هو أقرب الأماكن التي يصلي عندها اليهود قربا لقدس الأقداس، ويديره حاخام الحائط الغربي أو حائط المبكى الذي يزوره الملايين كل عام إلى جانب ملايين اليهود الذين يأتون من مختلف أصقاع العالم للصلاة. ومن جانب آخر فإن لم يكن لليهود بالقدس سوى بعض الكُنس (مفردها كنيس) وهي حديثة البناء نسبيًا، وكذلك بعض القبور. ويرجع تاريخ بناء أول كُنَيس إلى القرن الثامن عشر الميلادي، وجميعها يقع في الحي اليهودي بالقدس القديمة، وهو الحي المعروف بحارة اليهود، ومنها: قدس الأقداس، طبرت إسرائيل، توماتوراة، بيت إيل، مدراش، طابية، مزغاب لاوخ. ولليهود مقبرة خاصة بهم فيها أربعة قبور مميزة وهي : قبر النبي زكريا، وقبر يعقوب، وقبر أبشالوم، وقبر يهوشافاط. ينقسم اليهود في مشاعرهم تجاه القدس إلى قسمين: الأول منهما يرى أنها مدينة عادية، بل ويمكن الاستغناء عنها بأخرى ومن هؤلاء زعيم الحركة الصهيونية نفسه( تيودور هرتزل)، حيث من الثابت أنه قبل اقتراح السياسي البريطاني الكبير (تشمبرلين) في إعطاء اليهود وطنا قوميا في أوغنده بوسط إفريقيا، لولا أن غلاة الصهيونية ثاروا عليه، بل واعتدوا على مساعده (ماكس نوارداو) بالرصاص، واتهموا هرتزل نفسه بالخيانة، لولا أنه تراجع تماما عن موقفه فتراجعوا هم أيضا. الفريق الآخر هم الغلاة منهم وهم يرفعون دائمًا أصواتهم ويترنمون بنص من المزامير (مزمور: 137/605) والذي يقول: إن نسيتك يا أورشليم فلتشل يميني وليلتصق لساني بحنكي إن لم أذكرك إن لم أرفع أورشليم على قمة ابتهاجي والحقبة الذي بدأ فيه البناء الأول للقدس يقع ضمن (العصر البرونزي)، وليس من المعروف هل أقيمت المدينة حينئذ بناء على قرار اتخذته جماعة اليبوسيين (وهم في الاصل قبائل حورية)، واختار اليبوسيون لمدينتهم مكانًا حصينًا يرتفع عما حوله من الأرض، وشيدوا لها حصنا لحمايتها، واختاروا لها أيضًا موقعا حيويا؛ ليتيسر لهم الانتفاع بمميزات تجارية وخيرات طبيعية تتيحها مدينة تقبع في هذا المكان، فبنيت القدس (يبوس) – مع مدن كنعانية أخرى – على طريق المياه بين الشمال والجنوب، وأُقيمت على مرتفع الضهور (وهو التل الجنوبي الشرقي في القدس القديمة القائمة الآن داخل السور) قرب عين ماء جيحون (نبع العذراء)، وحُفر تحت الجبل نفق تُنقَل من خلاله مياه النبع إلى الحصن. وقد أطلق هؤلاء الكنعانيون على مدينتهم الصغيرة اسم “يبوس”؛ ليكون أقدم اسم لها في التاريخ، وأُضيفت إليها أسماء أخرى في أزمنة مختلفة. وقد أُسند إلى ملك يبوسي يدعى (ملكي صادق) أنه وسّع القدس وزاد في مبانيها في القرن العشرين قبل الميلاد تقريبا، وأقام على التل الجنوبي المعروف بـ (جبل صهيون) قلعة للدفاع عن مدينته، التي صار اسمها حينئذ أوروسالم بدلا من يبوس. وتذكر مصادر العهد القديم أن نبي الله ابراهيم قد اشترى قطعة من هذا الملك اليبوسي (ملكي صادق). وقد يظن البعض أن (أورشاليم) اسم عبري، أو اسم اختاره العبريون لمدينة القدس، لكن الحقيقة المؤكدة على خلاف هذا تماما، فـ أورشاليم اسم كنعاني من لغة كنعانية، واختاره لها الكنعانيون، ودخل عليه بعض التحريف على لسان العبرانيين، فهو في الأصل (أورسالم)، أي مدينة سالم، أو مدينة إله السلام، ولكن تحول السين إلى شين على لسان العبريين. وظلت يبوس بأيدي اليبوسيين والكنعانيين حتى احتلها النبي داود عليه السلام عام 1009ق.م فأطلق عليها اسم (مدينة داود)، واتخذها عاصمة له، ثم آلت من بعده لابنه الملك سليمان، وازدهرت في عهده ازدهارًا معماريًا كبيرًا، وفي هذه الحقبة سادت الديانة اليهودية في المدينة. ومن جانب آخرلا يوجد دليل اثري قاطع يحدد مكان الهيكل تحديدا دقيقا، ويرى الباحث الغربي جان باتيست أومبير:"أن هيكل سليمان يعتبر لغزا،لأنه لم يبق منه حجر واحد يُرَ وان وصف الهيكل كان رمزيا...". بينما يذكرالمؤرخ الامريكي اللبناني الاصل (فيليب حتي): " أن سليمان بناه في الأصل ليكون معبدا ملكيا ملحقا بالقصر، واستغرق بناؤه سبع سنوات وأصبح فيما بعد مركزا عاما لعبادة العبرانيين،و بنى الهيكل بناءون ومعماريون من مدينة صور واستخدموا أرز لبنان وأن الجناح الملكي في قصر سليمان كان يسمى بيت غابة لبنان، وأن زخرفة الهيكل مستوحاة من النماذج الكنعانية وطقوس الهيكل وذبائحه تشبه الأساليب المتبعة عند الكنعانيين"، ومفردة هيكل مستعارة من المفردات الكنعانية بصيغة هيكال، ويبدو انها كلمة سومرية تعني المعبد. والهيكل كلمة يقابلها في العبرية ( بيت همقداش)أي (بيت المقدس) أو (هيخال) وتعني البيت الكبير في كثير من اللغات السامية. والبيت الكبير او العظيم التعبير الذي كان يشار به الى مسكن الاله، ومن أهم اسماء الهيكل ( بيت يهوه) لانه اساساً مسكن للاله وليس مكاناً للعبادة، وهو أهم مبنى للعبادة اليسرائيلية، وبعد هدمه عام 70م على يد القائد الروماني تيتوس، لم يحل محله مبنى مركزي مماثل، وقد كان اليهود يحجون اليه في اعياد الحج الثلاثة: الفصح، والاسابيع، والمظال، وبعد العودة من بابل عام538ق.م كان السنهدرين(= سندريون – المجلس اليهودي الاعلى) يجتمع في قاعة ملحقة به. ومع استقرار العبرانيين في بلاد كنعان كان العبرانيون يقدمون الضحايا والقرابين للالهة في هيكل محلي يعبر عن استقلالية كل قبيلة. ومع هذا ظل تابوت العهد مركز العبادة اليسرائيلية. وبعد تدمير شيلوه (= المكان المقدس عند اليهود غير اورشليم) عام 1050ق.م واستيلاء الفلسطينيين عليه أحضره داود وبنى له خيمة في اورشليم، وقد ظهرت أماكن العبادة اليسرائيلية في اماكن مختلفة، لكن أياً منها لم يفلح في أن يصبح مركزاً دينياً لكل القبائل العبرانية المتناثرة. ولذا فمع تركز السلطة في يد الملوك ( داود وسليمان) تركزت العبادة القربانية في مكان واحد هو الهيكل في اورشليم التي كانت تقع على الحدود بين العديد من القبائل، كما أنها لم تكن تابعة لأي منها. لكل هذا أصبحت اورشليم مركزاً دينياً للقبائل العبرانية، ومن ثم لعبادة يسرائيل القربانية، وتاريخ بناء الهيكل هو ايضاً تاريخ تحول عبادة يسرائيل (البدوية المتجولة) الى العبادة القربانية المركزية (المستقرة). يشغل الهيكل مكانة خاصة في الوجدان اليهودي، فقد كان يتصور أنه يقع في مركز العالم، فقد بني في وسط اورشليم(= القدس) التي تقع في وسط الدنيا، فقدس الاقداس الذي يقع وسط الهيكل هو بمنزلة سُرة العالم. والهيكل كنز الاله مثل جماعة يسرائيل، وهو عنده أثمن من السماوات والارض، بل إن الاله قرر بناء الهيكل قبل خلق الكون نفسه. فالهيكل يذكر عند الميلاد والموت، وعند الزواج يحطم أمام العروسين كوب فارغ ليذكرهما بهدم الهيكل. ويرى منظرو الحركة الصهيونية أن ظهور الصهيونية يعود الى اللحظة التي هدم فيها الهيكل وفرض الشتات على اليهود. ويقوم الصهاينة بالتأريخ لوقائع تاريخ العبرانيين وتواريخ أعضاء الجماعات اليهودية في فلسطين بمصطلحات مثل (الهيكل الاول) و (الهيكل الثاني)، ويشير أول رئيس وزراء لاسرائيل (ديفيد بن غوريون المتوفى سنة1973م) وكثير من الاسرائيليين الى دولة اسرائيل باعتبارها الهيكل الثالث. أولاً: هيكل سليمان اشترى النبي والملك داود(1004-965ق.م) أرضاً ليني فيها هيكلاً مركزياً، ولم يبدأ هو نفسه في البناء، حيث جاء في العهد القديم أن داود كان يرد أن يبني هَيكلاً للرب في اورشليم، ولكن النبي (ناتان) أبلغه – من لدن الرب ِ- بأن يترك هذا المشروع لابنه سليمان(صموئيل الثاني7). فقام بالمهمة ابنه النبي والملك سليمان(حوالي 965-928ق.م) وأنجزها بين 960 و953ق.م، وكان قد شرع في بنائه في السنة الرابعة لملكه، وهي السنة الاربعمائة والثمانين لخروج بني اسرائيل من مصر(الملوك الاول7:1)، بينما استغرق بناء قصره وملحقاته ثلاثة عشر عاماً؛ ولذا يسمى (هيكل سليمان) أو (الهيكل الاول). وحسب التصور اليهودي، قام سليمان ببناء الهيكل فوق جبل موريا – جبل بيت المقدس- أو هضبة الحرم التي يوجد فوقها المسجد الاقصى وقبة الصخرة. ومن الصعب الوصول الى وصف دقيق لهيكل سليمان، فالمصدران الاساسيان لمثل هذا الوصف هما كتاب (الملوك الاول 6:1-38)، و(الاخبار الثاني2:4)، وهما يقدمان صورتين تختلفان في كثير من التفاصيل، كما أن المصادر الاخرى تعطي تفاصيل أخرى تتناقض مع المصدرين الاساسيين. وهيكل سليمان ليس بناءً واحداً إذ يضم قصر الملك ومباني أخرى. وكان ملحقاً بهذا المركب المعماري المذبح الصغير الذي يضم تابوت العهد، وكان يحيط بهذه المباني جميعاً فناء واسع، وقد أقيم هيكل سليمان مكان المذبح الصغير يحيط به فناء مقصور عليه يفصله عن المركب المعماري الاكبر. كان للهيكل عدة بوابات، وتبلغ ابعاده 90 قدماً و30 قدما عرضاً و45 قدماً ارتفاعاً، وهو لا يختلف كثيراً في تقسيم الثلاثي ( المدخل- البهو المقدس- قدس الاقداس) عن الهياكل الكنعانية. ونظراً لحياتهم البدوية، كان العبرانيون يجهلون فنون العمارة والهندسة على خلاف الحال في البلاد المجاورة بلاد الرافدين ومصر، ولذا فقد جلب سليمان البنائين والمهندسين من مدينتي صور وصيدا، كما تم استيراد القسم الاعظم من مواد البناء من جبال فينيقيا(= لبنان). وقد كرس سليمان جزءاً كبيراً من ثروة الدولة والايدي العاملة فيها لبناء الهيكل، ولذا فإن ثورات وانقسامات عديدة حدثت بعد اتمام بنائه، وانتهت هذه الثورات بانقسام الدولة العبرانية المتحدة وتساقط العبادة القربانية المركزية. وعند انقسام مملكة سليمان بعيد وفاته عام 928ق.م فقد الهيكل كثيراً من اهميته، إذ شيد ملوك المملكة الشمالية (= اسرائيل) بقيادة يربعام مراكز مستقلة للعبادة. وقد هجم فرعون مصر شيشنق على مملكة يهوذا في ربيع عام924ق.م ونهب نفائس الهيكل، كما هاجم يهواش ملك المملكة الشمالية(= اسرائيل) المملكة الجنوبية (= يهودا) في عهد ملكها(إمصيا) وهدم سورها، وأخذ ما في هيكل سليمان من الذهب والفضة والاواني ونهب قصر سليمان واخذ بعض الرهائن وعاد الى السامرة العاصمة (الملوك الثاني14:14)، وفي عام 586ق.م هدم نبوخذنصر الكلداني هيكل سليمان وحمل كل أوانيه المقدسة الى بابل. وعلى أية حال فعلم الاثار يعطينا معلومات بأنه لم يبق من هيكل سليمان ولا من أسواره حجرواحد، وجل ما بقي قائماً الى اليوم هو جزء من أساسات سور هيكل زرو بابل(= الهيكل الثاني) الذي أقيم بعد العودة من المنفى في بابل عام520-515ق.م، وما يدعى خطأً ببرج داود، الذي يرجع الى فترة المكابيين في القرن الثاني قبل الميلاد، وأجزاء من سور الملك هيرودس(37ق.م -4م) بما فيها حائط المبكى(= حائط البراق) التي تعود الى القرن الاول قبل الميلاد. وتؤكد عالمة الاثار السيد (كاثلين كينيون)، التي كشفت عن كل ما يمكن كشفه في موقع القدس(= أورشليم) القديمة، عدم جدوى البحث عن هيكل سليمان لأنه قد ضاع الى الابد. ثانياً: هيكل زروبابل مع هدم هيكل سليمان قام (زروبابل- احد كبار الكهنة) الذي سمح له الملك الاخميني الفارسي بالعودة الى فلسطين باعادة بناء الهيكل من جديد (520- 515ق.م)، ويذكر العهد القديم أن الهيكل الثاني بني بأمر من إله يسرائيل وبأمر من أباطرة الفرس(= كورش – سايروس الاخميني559-529ق.م)، ولذا كانت تقدَم فيه يومياً قرابين لصالح الحاكم الوثني حامي صهيون، وكانت خارطة العاصمة الاخمينية الفارسية (سوسه – شوشه) مرسومة على مداخله، ولا توجد إشارات كثيرة الى معمار هيكل زرو بابل ولا تقسيمه، ويميل معظم الباحثين والمؤرخين الى أن نبوخذنصر لم يهدم الهيكل الاول بل أحرقه ونهبه، فاستخدم العائدون اليهود من بابل بناءه دون تغيير. وفيما يتصل بالمحتويات فإن قدس الاقداس كان فارغاً لان تابوت العهد اختفى، وقد لعب هذا الهيكل دوراً اساسياً في إسباغ شرعية على فئة الكهنة التي صارت الفئة الادارية الاساسية في مقاطعة يهودا ( = يهودا الاخمينية الفارسية)، وقد تعرض هذا الهيكل للنهب عدة مرات. ثالثاً: هيكل هيرودس (= الهيكل الثاني) هيكل هيرودس هو الهيكل الذي بناه الملك هيرودس الكبير (37ق.م-4م) الذي عينه الرومان حاكماً رومانياً يحمل لقب (ملك) ويشار اليه بأن باني (الهيكل الثاني). واحياناً يستخدم هذا المصطلح للاشارة الى الهيكل الذي أسسه زرو بابل، وبهذا يكون هيكل هيرودس( الهيكل الثالث)، وإن كان مصطلح الهيكل الثالث يستخدم للاشارة عادة الى الهيكل الذي سيُشيَد في آخر الايام مع بداية العصر المشيحاني، وحينما اعتلى هيرودس العرش وجد هيكل زروبابل متواضعاً فقرر بناء هيكل آخر لارضاء اليهود، ولكنه قرر في الوقت نفسه بناء هيكل لالهة روما لارضاء الامبراطور الروماني( أغسطس)، ويبدو أن الهيكل الروماني لم يختلف عن الهيكل اليهودي في معماره. بدأ هيرودس البناء في 19 -20 ق.م فهدم الهيكل القديم واستمر العمل في البناء وقتاً طويلاً، ومات دون إتمامه، استمر البناء حتى عهد حفيده أجريبا الثاني 64م، بل كانت تنقصه بعض اللمسات عندما هدمه تيتوس في9- 10/8/ 70م. بني الهيكل على الطراز اليوناني – الروماني السائد، وقد وسع هيرود نطاقه ليضم مساحة واسعة وكانت له عدة بوابات وأربعة جسور. ويذكر الباحث (حسن ظاظا- زازا) أن حائط البراق (= حائط المبكى) كان على الارجح جزءاً من جدار هيكل هيرودس الغربي، أو جزء من السور الخارجي الذي بناه هيرودس على حد تعبير الباحث المصري المختص باليهودية ( عبد الوهاب المسيري). واليهود يحرصون على تسميته حتى الان ( الجدار الغربي)، ويعتبر من أقدس الاماكن عند اليهود في الوقت الحاضر، يبلغ طوله مائة وستون قدماً وارتفاعه ستون قدماً، سمي باسم حائط المبكى لأن الصلوات حوله تأخذ شكل عويل ونواح. وجاء في الاساطير اليهودية أن الحائط يذرف الدمع في التاسع من آب/ اغسطس يوم هدم الهيكل على يد القائد الروماني تيتوس، والتاريخ الذي بدأت اقام فيه الصلوات بالقرب من الحائط غير معروف. وحتى القرن السادس عشر نجد أن المصادر التي تتحدث عن يهود القدس تشير الى ارتباطهم بموقع الهيكل فحسب، ويبدو أنه أصبح محل قداسة بدءاً من سنة 1517م بعد الفتح العثماني لفلسطين على يد السلطان سليم الاول(1512-1520م) وهجرة يهود المارانو(= الاندلس) حَمَلة النزعة الحلولية المتطرفة في اليهودية، فالنزعة الحلولية تظهر دائماً في شكل تقديس الاماكن والاشياء. كما أن وجود اليهود داخل التشكيل الحضاري الاسلامي ترك أثره العميق فيهم، فشعيرة الحج الى مكة المكرمة والطواف حول الكعبة المشرفة وجدت صداها في تقديس حلئط المبكى. وقد قام الاثريون الاسرائيليون بعد حرب حزيران/ يونيوعام1967م بعمل حفائر في اساس الحائط، فكان أقصى ما عثروا عليه في الحجارة تحت الارض آيتين من سفر النبي أشعيا محفورتين بخط يجعل نسبة هذه الحجارة لداود أو سليمان مستحيل، ويرجح العثور على هذا النص الى الشهور السابقة لاحراق المسجد الاقصى في سنة 1969م رابعاً: الهيكل الثالث الهيكل الثالث مصطلح ديني يهودي يشير الى عودة اليهود بقيادة الماشيَح(= المسيح المنتظر) الى صهيون لإعادة بناء الهيكل في نهاية الايام، والهيكل الاول هيكل سليمان الذي هدمه نبوخذنصر، والهيكل الثاني هيكل هيرودس . والهيكل الثالث مرتبط بالرؤى الأخروية لا بالتاريخ الانساني، ومع هذا فقد صبغ الصهاينة هذه الرؤية بصبغة علمانية وجعلوا الاستيطان الصهيوني هو العودة المشيحانية، وبالتالي فإن الدولة الصهيونية (= يسرائيل الحالية) هي الهيكل الثالث. |