فتوى شرعية حول حكم التسويق الشبكي بسم الله الرحمن الرحيم فقد وردت إلى اللجنة العليا للإفتاء في إقليم كوردستان حول عمل شركات التسويق الشبكي، حيث إنتشرت في الآونة الأخيرة بعض المعاملات بطريقة التسويق الشبكي لشركاتٍ عالميةٍ مثل [ميكاهولدين]، وتتلخَّص صورة هذه المعاملات في إقناع الشركة لشخصٍ ما بشراء سلعةٍ أو مُنْتَجٍ على أن يقوم بإقناع آخَرين بالشراء ليقنع هؤلاء آخَرين بالشراء وهكذا، وكلَّما زادت طبقات المشتركين حصل المشترك الأوَّل على مبالغ أكثر، وكلُّ مشتركٍ يقنع من بعده بالاشتراك مقابلَ مبالغَ ماليةٍ كبيرةٍ. فبعد دراسة نصّ السؤال السابق من قبل السادة أعضاء اللجنة العليا للإفتاء، وبالإستفادة من النصوص الشرعية و أرآء الفقهاء، إجتمعت اللجنة العليا للإفتاء في إقليم كوردستان بتأريخ 27/1/2015 و أصدورت الفتوى التالية: إذا ظهر أنَّ نظام التسويق الشبكي للشركات العالمية تتعامل بهذا الأسلوب في تسويق منتجاتها فإنَّ مثل هذا النوع من المعاملات-والله أعلم- حرامٌ شرعاً و يجب على المسلمين الإبتعاد عنها، لأنَّ مثل هذا النوع من المعاملات تقترن به عدَّة محاذيرَ شرعيةٍ يمكن إبرازها على النحو التالي: أولاً: إشتمال هذه المعاملة على الغرر والميسر والمقامرة المحرَّمة شرعًا، ذلك لأنَّ المشترك لا يُسهم في التسويق الشبكي إلاَّ بغرض العوض المالي على جلب الزبائن المشتركين، وتزيد عمولته ويربح أكثر كلَّما أحضر عددًا أكبر من الزبائن وحقَّق شروط الشركة، أو قد تنقص عن المبلغ الأوَّل الذي دفعه، وإذا ما فشل في مَهَمَّته خسر المبلغ كلَّه، وبين حالتَيِ الربح والخسارة يجهل المشترك -حالَ إسهامه في التسويق الشبكي أو الهرمي- هل يكون غانمًا أو غارمًا؟ وهذه الجهالة تجرُّه -في تعامُله هذا- إلى الولوج في باب الغرر المنهيِّ عنه في حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال:«نَهَى رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ بَيْعِ الْحَصَاةِ وَعَنْ بَيْعِ الْغَرَرِ»رواه مسلم، وغيره من الأحاديث الصحيحة الشاملة للغرر والميسر والمقامرة، و يقول الإمام الرملي في نهاية المحتاج: أنَّ الغرر هو ما إحتمل أمرين أغلبهما أخوفهما. ثانياً: إشتمال هذه المعاملة على ظلم العبد لأخيه، ذلك لأنَّ التسويق الشبكيَّ يعتمد في ترويج منتجه أو سلعته على الدعاية المغرية التي تخدع المشاركين بها وتغريهم بتحصيل أرباحٍ كبيرةٍ وعمولاتٍ فاحشةٍ في مقابل مبلغٍ يسيرٍ وهو ثمن المنتج الذي تتوخَّى به الشركات في الأصل -من خلال التسويق والمتاجرة المقنَّعة- تجميعَ أكبرِ قدرٍ من المشتركين، الأمر الذي يفضي -في الغالب الأعمِّ- إلى وقوع أكثرية المشاركين من الطبقة الدنيا من الشبكة الهرمية ضحيَّةً في شراك هذا الأسلوب التسويقيِّ الماكر بالغشِّ والتلبيس، في حين تتحقَّق أطماع الطبقة العليا الغانمة على حساب الأكثرية الغارمة، وهذه المعاملات تدخل -بلا شكٍّ- في عموم قوله تعالى:﴿وَلا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ﴾، إذ الخداع الذي هو مَظِنَّة أنْ لا رضا به عند تحقُّقه فيكون من أكل المال بالباطل ، كما تشمله النصوص الشرعية الناهية عن الغشِّ والتدليس والتلبيس على الناس ونحو ذلك، ويقول الرسول صلى الله عليه وسلم: من غشنا فليس منا، و كذلك قوله: لا ضرر و لا ضرار. ثالثاً: في هذا النوع من المعاملة هدرٌ للمال،مما يتسبب ضرراً كبيراً في إقتصاد البلد،ولا يستفيد من هذا العقد إلا الشركة ومن ترغب إعطاؤه من المشتركين بقصد خداع الآخرين،و في الكثير من الحالات يذهب الملايين من الأموال إلى بلد صاحب الشركة بدون مقابل و بلا عوض. وبناءً على ما سبق، فإنَّ حرمة هذه المعاملة تتأكَّد بمجموع المحاذير السابقة المقترنة بها، وإن كان محذورٌ واحدٌ يكفي في الحكم عليها بالمنع لما اشتملت عليه من الظلم والفساد وأكل أموال الناس بالباطل، وحقيقة التسويق الشبكي يشبه تماماً بالميسر والمقامرة والربا، لأنَّه يرمي إلي تحصيل العمولات والأرباح، فيسوِّق البضاعة بنفسه لمن يريد أن يسوِّقها إلى غيره، من غير أن تكون البضاعة أو المنتج مقصودًا في ذاته، وإنما هو معبرٌ للتوصُّل إلى توفير المال وتكثيره، لذا ترى اللجنة العليا للإفتاء في إقليم كوردستان أنَّ مثل هذه المعاملات-مهما إختلفت المسمّيات- تدخل في باب الحرام، و يجب على المسلمين إجتنابها و الإبتعاد عنها... والله تعالى أعلم. اتحاد علماء الدين الإسلامي في كوردستان اللجنة العليا للإفتاء 27/1/2015 |