قال تعالى: {فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ} (سورة النحل: 43) الحمد لله، والصلاة والسلام على سيدنا محمد رسول الله، وعلى آله وأصحابه ومن والاه. وبعد: المقدمة: إن نقل الاعضاء البشرية و زرعها من الأمور المستجدة تناولتها الفقهاء المعاصرون بالبحث و الدراسة و الحقوها ب(فقه النوازل) و لكنهم خرجوا بنتائج و فتاوى مختلفة ما بين المجيز بشروط و ما بين المانع منعاَ قطعياً إلا لبعض صورها المحدودة ومنشأ الخلاف هو في الحقوق المتعلقة ببدن الإنسان و أعضائه جسمه , هل الإنسان حرٌ في بدنه و أعضاء جسمه يتصرف به كيفما شاء ؟ أم أنَّ الشرع حدَّ لهُ حدوداً لا يجوز أن يتخطاه . والمجلس الأعلى للإفتاء في جلسته الاعتيادية بتأريخ 8/2/2022 بعد الدراسة والمشاورة والرجوع إلى الأدلة الشرعية المتعلقة بهذا الموضوع ومصادر الفقه الاسلامي، ورعاية مقاصد الشريعة أصدر هذه الفتوى البحثية على النحو الآتي: التعريف: عرف البعض نقل الأعضاء و زرعها بأنّها: استئصال عضو سليم من شخص حيِ أو ميت و زرعه في جسده هو , أو في جسد أخر مريض بدلا من عضو تالف اللإنتفاع. أو: نقل عضو أو مجموعة أنسجة أو خلايا من متبرع إلى غيره ليقوم مقام العضو أو النسيج الذي فسد . أهم أقسام هذه العملية:بعد الاستقراء تبين أن هناك قسمان فقط وهما أ- ما يسمى بـ(النقل الذاتي) هو أخذ جزء من جسد المريض يقصد به علاج جزء أخر من نفس الجسد كنقل الجلد والغضاريف والعضام والأوردة والدم و غيرها وذلك بقصد العلاج والتداوي كأن يتم اصلاح التشوهات الجينية الضرورية التي تحدث نتيجة الحروب والحروق والأمراض دون غيرها من التحسينيات, مع مراعاة التأكد من أن النفع المتوقع من هذه العملية أرجح من الضرر المترتب عليها, وبشرط أن يكون ذلك لإيجاد عضو مفقود أو لإعادة شكله أو وظيفته المعهودة له أولاصلاح عيب ظاهرأو منفر تسبب للشخص اذى نفسيا أو عضويا . ب- ما يسمى بـ(النقل المتباين) وهو نقل عضو من انسان إلى غيره. كالنقل من انسان حي الى اخر حي , والنقل من الميت – حديث الموت – الى انسان اخر . فهذا القسم منعه بعض الفقهاء، و اجازه الاكثرون تبرعا -دون البيع - من الاحياء الى الاحياء و ذلك بشروط، ومن الاموات الى الاحياء و ذلك بالوصية و اذن الورثة، وعليه الفتوى من المجلس الأعلى للإفتاء لكن برعاية الشروط الشرعية والقانونية أدناه: أ- شروط التبرع من الاحياء الى الاحياء: ١-أن يكون المتبرع: بالغاً، عاقلاً، كامل الأهلية، و أن يتم التبرع برضاه - و بدون إكراه او تحايل. ٢- مراعاة مبدأ تكريم الآدمي و صيانته من الابتذال، و عدم الإضرار بالمنقول منه. ٣- أن لا يتم التبرع إلا عند الضرورة، و في نطاق ضيق، و الأفضل أن يكون التبرع من الأقرب. ٤- أن لا يكون الجزء المنقول مُفْضيّاً الى الموت او الخلل والاعتلال، وأن لا يكون فيه تعطيل عن واجب، او اعانة على مُحَرًّم، او التبرع لمهدور دم. ٥- ان تكون حياة الأخذ (المريض) مهددة بالموت، و انتهى كل وسائل العلاج و لم يعد هناك مخرج الا الزرع. ٦- ان لا يقوم الطبيب بالزرع بقصد التجربة . ب- شروط تبرع نقل الاعضاء من الاموات الى الاحياء و زرعها: 1- ان تتحقق الوفاة الشرعية للشخص المراد استقطاع جزء من جسده. 2- ان يقر الطبيب المختص الثقة ان الشخص المنقول اليه قد وصل الى حالة لا يرجي شفاؤه من حيث الطب إلا بنقل عضو اليه. 4 - أن يكون الجزء المستقطع دون المقابل المادي (البيع مثلا.... ). ٤- أن يكون الميت قد تبرع حال حياته - تبرعاً محضا من غير أخذ العوض- (المادي او المعنوي) و بصورة قانونية، أو أوصى و برضاه دون ضغط، و بأذن ورثته بعد موته . ويمكن أن يستدل على ما ذكر بأدلة من القران الكريم و السنة الشريفة، فمن القران الكريم قوله تعالى [و من احياها فكأنما احيا الناس جميعا] (سورة المائدة من الآية: ٣٢) ففيه الحث على التسبب بإحياء نفس آخر, وكذلك قوله تعالى [و يؤثرون على انفسهم] (سورة الحشر من الآية: ٩)، فالتبرع عمل إنساني و إيثار و الذي هو مما حثنا الإسلام على العمل به. و فيه أيضاً تفريج للكروب وتنفيس للمريض ففي الحديث الشريف قال رسول الله -صلى الله عليه و سلم- (من نفَّس عن مؤمن كربة من كرب الدنيا نفس الله عنه كربة من كرب القيامة ... ) رواه مسلم (2699) , وقال أيضاً: (من فرج عن مسلم كربة فرَّج الله عنه كربة من كرب يوم القيامة..) السنن الكبرى للنسائي 6/466 لاقم (7246)، عن أبي هريرة رضي الله عنه ، و فيه أيضا مراعاة مبدأ التداوي, المقرُّ به شرعاً و الضرورة و قد ورد أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: (تداووا عباد الله فان الله لم يضع داء الا وضع معه شفاءاً الا الهرم) سنن ابن ماجة 2/1137 برقم: (3436) عن أسامة بن شريك - رضي الله عنه - ، و عملا بالقاعدة الشرعية: (يدفع أعظم المفسدتين باحتمال أدناهما) (ينظر: الأشباه والنظائر للسبكي 1/47، وهو من فروع قاعدة الضرر يزال) . - تنبيهات: ١- رغم الاختلافات الواردة فالمتفق عليه انه لا يجوز نقل الغدد او الاعضاء التناسلية للمرأة و الرجل، و ذلك لانه يؤدي الى اختلاف الانساب، و كذلك لا يجوز نقل كل عضر يتربت عليه اثر سلبي شرعي او قانوني مثل بصمات اليد الذي ربما يؤدي إلى التدليس وتعدي حقوق الغير. ٢- كذلك لا يجوز نقل الاعضاء المفردة في جسد الانسان كالقلب و الكبد كاملا من متبرع الى اخر مريض، لأنه إن كان برأيه فهو انتحار، والانتحار حرام اتفاقا و ان كان بغير رأيه- اى رغماً عنه- فهو قتل نفس بغير حق. ٣- اما بالنسبة لأخذ عوض ماديّ مقابل نقل الاعضاء وزرعها فانه لا يجوز لأن الانسان مكرم وغير مالك لبدنه على الراجح المعتمد عليه. ٤- اعادة العضو الذي قُطِعَ على سبيل الحد أو الحرابة تحقيقا لا قطعا او بغير حق فالراجع عدم جوازها، لان في اعادتها ضياعا لحكمة الحد، و هو النكال من الله تعالى. و صلى الله على سيدنا محمد و على آله و صحبه و سلم و الحمد لله بدءاً و ختاماً
المجلس الأعلى للإفتاء 14/ رجب/ 1443هـ = 15/2/2022م = 26/ رِيبةندان/ 2721ك |