|
||||||
بهرواری دابهزاندن: 03/05/2015 : 11:25:08 | ||||||
قهبارهی فۆنت | ||||||
مفهوم الجهاد فى الإسلام 3 | ||||||
القسم الثالث السلامُ أساسُ العَلاقةِ الدوليةِ عند المسلمينَ الجهادُ -إذن- مشروعٌ للدفاعِ وليس للمبادأةِ، وهذه نتيجةٌ ضروريةٌ لفلسفةِ القرآنِ فى حقيقةِ تعدُّدِ الأديانِ والألوانِ واللغاتِ والأجناسِ بين البشرِ، ونحن نقرأ فى القرآنِ أنَّ اللهَ تعالى لو شاءَ أنْ يخلُقَ الناسَ على دينٍ واحدٍ وعقيدةٍ واحدةٍ ولغةٍ واحدةٍ لفَعلَ، ولكنْ لم يشأْ ذلك، وأرادَ الاختلافَ والتنوعَ.
ويُخبرُنا القرآنُ أنَّ سُنةَ اللهِ فى اختلافِ الأديانِ والعقائدِ ماضيةٌ ومستمرةٌ إلى يومِ القيامةِ: {ولو شاء ربك لجعل الناس أمة واحدة ولا يزالون مختلفين} [هـود: 118].
وعندنا -نحن المسلمين- من التعددِ أو الاختلافِ بين البشرِ فى هذه الأمورِ بإرادةٍ إلهيةٍ لا تتخلَّفُ على امتدادِ الزمانِ والمكانِ. ومن هنا يلفتُ القرآنُ الأنظارَ إلى أنَّ الناسَ ما داموا مختلفينَ؛ فالعَلاقةُ بينهم هى عَلاقةُ التعارفِ، أي: التصاحبِ والتكاملِ: {يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا} [الحجرات: 13]. ثم جاءت الحقيقةُ الثالثةُ التى تترتَّبُ ترتبًا منطقيًّا على الحقيقتَيْنِ السابقتَيْنِ لتؤكِّدَ أنَّه: {لا إكراه فى الدين} [البقرة: 256]، وأنَّ نبيَّ الإسلامِ ليس إلَّا مُذكِّرًا فقط: {فذكر إنما أنت مذكر * لست عليهم بمصيطر} [الغاشية: 21، 22]، {ولو شاء ربك لآمن من فى الأرض كلهم جميعا أفأنت تكره الناس حتى يكونوا مؤمنين} [يونس: 99]، { وما أنت عليهم بجبار فذكر بالقرآن من يخاف وعيد} [ق: 45]، {فإن أعرضوا فما أرسلناك عليهم حفيظًا إن عليك إلا البلاغ } [الشورى: 48]. وإذن فلا مكانَ فى البناءِ المعرفيِّ للإسلامِ لأيِّ احتمالٍ من احتمالاتِ فرضِ عقيدتِه على أيِّ إنسانٍ، سواءٌ بالإكراهِ الأدبيِّ أو الإكراهِ الماديِّ، بل لا مكانَ فى فلسفةِ الإسلامِ لابتذالِ العقائدِ والإيمانِ فى أسواقِ المصالحِ، واستغلالِ حاجاتِ الناسِ وضروراتِهم. ومن هنا، فإنَّ الإسلامَ لا يُؤمنُ بالتبشيرِ الذى يَعتمدُ على مُقايضةِ العقائدِ بالخدماتِ، ولا يعترفُ بالإيمانِ المختطَفِ ببريقِ السيوفِ أو بريقِ الأموالِ والمنافعِ، فهذا وذاك من الأساليبِ غيرِ الصحيحةِ فى تحصيلِ العقائدِ. هل قتال المسلمين لغيرهم سببه العدوان أم الكفر؟ وهاهنا سؤالٌ محوريٌّ: ما هو السببُ الذى يجعلُ قتالَ المسلمينَ لغيرِهم أمرًا مشروعًا؟ هل هى حالةُ العداءِ؟ أو هى حالةُ الكفرِ بمعنى رفضِ الدِّينِ الإسلاميِّ؟ والإجابةُ التى أجمعَ عليها جمهورُ علماءِ المسلمينَ اعتمادًا على القرآنِ الكريمِ وتاريخِ النبيِّ مع غيرِ المسلمينَ: هى أنَّ العُدوانَ على المسلمينَ هو السببُ الرئيسيُّ الذى يُبيحُ لهم القتالَ. أمَّا الكفرُ وحدَه – دونَ عدوانٍ – فإنَّه لا يَصلُحُ سببًا لإباحةِ الحربِ، ولا يُمكنُ أنْ يكونَ كذلك؛ لأنَّ القرآنَ إذا كان قد أقرَّ حريةَ الناسِ فى الإيمانِ أو الكفرِ: {فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر} [الكهف:29]، فإنَّ من المستحيلِ أنْ يُبيحَ قتالَ الكافرين من أجلِ إدخالِهم فى دِينِ الإسلامِ، وإلَّا كان القرآنُ مُتناقضًا يُكذِّبُ بعضُه بعضًا، وأعداءُ القرآنِ رغم بحثِهم الدؤوبِ عن شيءٍ يَعيبونه به، لم يستطيعوا أنْ يسجِّلُوا عليه عيبًا كهذا، وإذن فالسِّلْم هو العَلاقةُ المقرَّرةُ بين المسلمينَ وغيرِهم، وهذا ما نجدُه صراحةً فى القرآنِ الكريمِ:{لا ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم فى الدين ولم يخرجوكم من دياركم أن تبروهم وتقسطوا إليهم إن الله يحب المقسطين} [الممتحنة: 8]. نعم هناك بعضُ الآراءِ الفقهيةِ الشاذةِ التى فَهِمتْ -خطأ- أنَّ الكفرَ يُبيحُ القتالَ، وأنَّ على المسلمين أنْ يُقاتلوا غيرَهم ليَدخُلوا الإسلامَ أو يَبقُوا على أديانِهم مع دفعِ الجزيةِ، غيرَ أنَّ هذه الآراءَ قُوبلتْ بنقدٍ شديدٍ من جمهورِ العلماءِ، انطلاقًا من الآياتِ القرآنيةِ العديدةِ، ومن تاريخِ الحروبِ التى خاضها النبيُّ صلى الله عليه وسلم ضدَّ أعدائِه، وكلُّها كانت حروبًا دفاعيةً كما يُثبِتُ التاريخُ، وممَّا يدُلُّ على شذوذِ هذا الرأيِ أنَّ الإسلامَ يُحرِّمُ قتْلَ الأطفالِ والنساءِ والشيوخِ والرُّهبانِ والأعمى والمُقعَدِ والأجيرِ فى مُعسكرِ العـدوِّ؛ لأنَّ هؤلاءِ لا يُتصوَّرُ منهم قتالٌ ولا عدوانٌ، فلذلك حَرُمَ قتلُهم رغمَ كفرِهم، ولو أنَّ الكفرَ هو السببُ المبيحُ للقتالِ لجازَ قتلُ هؤلاءِ الضعفاءِ.
حقائقُ حـــولَ الجهــــادِ 1- ليس صحيحًا أنَّ الإسلامَ دِينُ السيفِ، كما يتردَّدُ فى كتاباتِ بعضِ الغربيينَ ممَّن تخصَّصوا فى تشويهِ صورةِ الإسلامِ وحضارتِه، والكلامُ هنا كثيرٌ جدًّا، لكن نكتفى بأنْ نَلفِتَ أنظارَ هؤلاء إلى أنَّ القرآنَ الذى قرَّرَ حريةَ الاعتقادِ فى آياتِه الصريحةِ، لا يُمكِنُ أنْ يُقرِّرَ فى الوقتِ نفسِه استعمالَ السيفِ ولا غيرَ السيفِ فى نشرِ الإسلامِ، وليس له من طريقٍ فى الدعوةِ إلى الإسلامِ إلا طريقُ الإقناعِ بالحجةِ والبرهانِ. على أنَّ المقارنةَ بين القرآنِ وغيرِه من الكتبِ المقدسةِ تُثبِتُ أنَّ كلمةَ السيفِ ليست من ألفاظِ القرآنِ، وأنَّها لم تُذكَرْ فيه على الإطلاقِ. وهذا أمرٌ مُدهِشٌ إذا أخذنا فى الاعتبارِ أنَّ السيفَ كان -فى وقتِ نزولِ القرآنِ- رمْزَ الشجاعةِ والبطولةِ للفردِ والقبائلِ، هذا فى الوقتِ الذى نجِدُ فيه كلمةَ السيفِ تتكرَّرُ -مثلًا- ثلاثَ عشْرةَ مرةً فى «سِفْرِ يشوعَ» من أسفارِ العهدِ القديمِ فى الكتابِ المقدسِ. وكذلك الآيات التى تأمرُ بحرقِ ما يَستولى عليه بنو إسرائيلَ من البلدانِ والمدنِ، وقتلِ كلِّ مَنْ فيها بحدِّ السيفِ؛ الإنسانِ والحيوانِ والنباتِ، كما نجِدُ فى العهدِ الجديدِ مِنَ الكتابِ المقدسِ نصًّا صريحًا فى (إنجيلِ متَّي) منسوبًا إلى سيدِنا عيسى - عليه السلام- يقولُ فيه: «لا تظنُّوا أنِّى جئتُ لأحملَ السلامَ إلى الأرضِ، ما جئتُ لأحملَ سلامًا بل سيفًا».
وأنا أتساءلُ: أيُّ الكتابَيْن هو رحمةٌ للعالَمِ؟ أهو الكتابُ الذى تتردَّدُ فيه عشراتِ المراتِ كلمةُ (حدِّ السيفِ)، و(حرقِ الناسِ بالنارِ)، و(قتلِ الحيواناتِ والدوابِّ البريئةِ)، أم هو الكتابُ الذى تنزَّهَتْ آياتُه عن ذِكرِ هذه الألفاظِ التى تُثـيرُ الرعـبَ والرهبـةَ فى النفـوسِ؟ 2- ليس صحيحًا أنَّ المسلمين عُشَّاقٌ للحروبِ، بل الأمرُ على العكسِ تمامًا، والقرآنُ مملوءٌ بالآياتِ التى تدعو إلى السلامِ، وإلى تلمُّسِ كلِّ الطرقِ التى يَتفادى بها المسلمونَ كارثةَ الحربِ، والنبيُّ محمدٌ صلى الله عليه وسلم يقولُ للمسلمينَ: «لا تتمنَّوْا لِقاءَ العدوِّ، وسَلُوا اللهَ العافيةَ»، وكان يقولُ: «اتركوا الحبشةَ ما تركوكم، ودعوا الحبشة ما ودعوكم». وهنا نَلفِتُ النظرَ إلى أنَّ المسلمينَ لم يُقاتِلوا الحبشةَ ولم يدخُلوا معها فى حربٍ، رغم قُربِها الشديدِ مِن جزيرةِ العربِ، ومعرفةِ المسلمينَ بأحوالِ الأحباشِ، ومع ذلك لم يُحاربوها على ضعفِها ولم يَستعمروها، وحارَبوا قريشًا وفارسَ والرومَ؛ لأنَّ هذه الدولَ مارستْ على المسلمينَ عُدوانًا حقيقيًّا، وكانت تُشكِّلُ خطورةً شديدةً على وجودِ دولةِ الإسلامِ، بينما كانتِ الحبشةُ محايدةً ومسالمةً.
3- الحربُ فى شريعةِ الإسلامِ مُنضبطةٌ بقواعدَ إنسانيةٍ وأخلاقيةٍ، لا زلنا نفتقدُها فى حروبِ حضاراتِ القرنِ الواحدِ والعشرينَ، ويطولُ بنا الحديثُ لو رُحنا نستقصى هذه الضوابطَ الأخلاقيةَ التى حَكمتْ معسكرَ المسلمينَ فى حروبِهم معَ غيرِهم، ونكتفى بالإشارةِ إلى ما يَعلمُه المسلمونَ من أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم كان يأمُرُ قادةَ الجيوشِ بألَّا يَقتلُوا الصبيانَ ولا الأطفالَ ولا المُسنِّينَ ولا النساءَ ولا الأُجَراءَ الضُّعفاءَ، وكان يَنهى عن التمثيلِ بالقتلي، وأنَّ قادةَ الجيوشِ والجنودِ كانوا يحفظونَ عن ظهرِ قلبٍ القانونَ الحربيَّ: «لا تغدِورا، ولا تُمثِّلوا، ولا تَقتلوا طفلًا صغيرًا، ولا شيخًا كبيرًا ولا امرأةً، ولا تعقِرُوا نخلًا، ولا تَحرِقوه، ولا تقطَعوا شجرةً مُثمرةً، ولا تذبحوا شاةً ولا بقرةً ولا بعيرًا إلَّا لمأكَلةٍ (أي: للأكلِ فقط)، وسوف تجدونَ أقوامًا قد فرَّغوا أنفسَهم فى الصوامعِ فدَعُوهم وما فرَّغوا أنفسَهم له».
4- إنَّ الحقيقةَ التى يكتُمُها البعضُ فى انتشارِ الإسلامِ بهذه السرعةِ العجيبةِ: هى أنَّه دِينٌ بسيطٌ فى عقيدتِه، أخلاقيٌّ فى أحكامِه وشريعتِه. وأكبرُ دليلٍ على أكذوبةِ العنفِ والسيفِ فى الإسلامِ: هو انتشارُ الإسلامِ الآنَ بينَ الأوروبيينَ والأمريكيينَ بالملايينِ، وبصورةٍ أقلقتِ الدوائرَ السياسيةَ والكنسيةَ، سواءً بسواءٍ، فأين هذا السيفُ أو هذا العنفُ الذى يحملُ الأوروبيينَ والأمريكانَ ويُجبرُهم على التحولِ إلى دِينِ الإسلامِ؟ مع الأخذِ فى الاعتبارِ أنَّ الإسلامَ لا يعترفُ بالتبشيرِ الذى تَعتمدُه كنائسُ الغربِ وتُخصِّصُ له الملياراتِ لتحويلِ المسلمينَ إلى مسيحيينَ، وإنَّما يَعترفُ فقط بالاقتناعِ الناشئ عن نظرٍ وتفكيرٍ وبرهانٍ، ولولا ضِيقُ المقامِ لسردْنا من أقوالِ الغربيينَ المنصفينَ وشهاداتِهم ما يُؤكِّدُ كلَّ جملةٍ كُتِبَتْ فى هذا البحث.
هـ بـ
الی القسم الأول: http://www.zanayan.org/arabic/articles.php?id=1391&eid=264
| ||||||