یه‌کێتی زانایانی ئاینی ئیسلامی کوردستان
كوردى | العربية ئێمە لە فەیسبوک په‌یوه‌ندی  |  لقه‌کان  |  ستافی کار  |  لینکی پێویست
*****    *****   د.أنس محمد شەریف ئەندامی مەکتەبی تەنفیزی یەکێتی زانایان بەشداری پانێڵێکی تایبەت بە بەرەنگاری توندوتیژی دژ بە ئافرەتان دەکات    *****    *****   مەکتەبی تەنفیزی یەکێتی زانایان پێشوازی لە شاندێکی زانایانی لقی گەرمیانی یەکێتی زانایان دەکات    *****    *****   پێکەوەژیانی ئایینی لە سۆران    *****    *****   مامۆستا مەلا محمد ئیبراهیم رەزگەیی کۆچی دوایی کرد یەکێتی زانایان پرسەنامەیەک ئاراستەی خانەوادەکەی دەکات    *****    *****   بە ئامادەبوونی سەرۆکی یەکێتی زانایان مەراسیمی بەخشینی بڕوانامەی زانستی لە شاری هەولێر بەرێوە دەچێت    *****    *****   سەرۆکی یەکێتی زانایان بەشداری پانێڵی کۆلێژی پەروەردەی ئاکرێ لەبارەی پێکەوەژیانی ئایینی دەکات    *****    *****   سەرۆکی یەکێتی زانایان لە هەردوو قەزای ئاکرێو بەردەڕەش ژمارەیەک مامۆستای ئایینی بەسەر دەکاتەوە    *****    *****   سەرۆکی یەکێتی زانایان بەرێوەبەرایەتی ئەوقافی ئاکرێ و لقی ئاکرێی یەکێتی زانایان بەسەر دەکاتەوە    *****    *****   یەکێتی زانایان پانێڵێکی تایبەت بە گرنگیدان بە تەوزیفکردنی زانستی تەجویدو پاراستنی مۆرکی رەسەنی مەقامی جوان خوێندنەوەی قوڕئان بەرێوە ساز دەکات    *****    *****   بە ئامادەبوونی سەرۆکی یەکێتی زانایان مەراسیمی بەخشینی بڕوانامەی زانستی لە شاری هەولێر بەرێوە دەچێت    *****    *****   بە ئامادەبوونی سەرۆکی یەکێتی زانایان مەراسیمی بەخشینی بڕوانامەی زانستی لە گوندی بێراوە بەرێوە دەچێت    *****    *****   شاندێکی باڵای مەکتەبی تەنفیزی دەڤەری گەرمیان بەسەر دەکاتەوە و چەند پرسێکی گرنگ تاوتوێ دەکات   
د. محمد شريف
به‌رواری دابه‌زاندن: 08/11/2016 : 21:28:51
قه‌باره‌ی فۆنت
من المسؤول عن انتاج داعش وآثاره الرهيبة؟

  من المسؤول عن انتاج داعش وآثاره الرهيبة؟

                                                                   د. محمد شريف

رئيس منتدى الفكر الاسلامي في اقليم كوردستان

لم يعد توحش داعش وطبيعته الارهابية بحاجة الى التعريف، فهم أنفسهم يقرون بأن منهج حكمهم هو التوحش، وقد نشروا الرعب في العالم كله، والمطارات العالمية تعكس هذا الرعب. ثم ان أعمالهم الاجرامية الارهابية قد تجاوزت في فظاعتها ما شهدته الانسانية عبر التأريخ من انتهاكات وشرور دموية . ومثل هذه الظاهرة ستكون وصمة عار لأية أمة تنسب اليها. وسواء كانت هذه التهمة وأعني تهمة انتساب تلك الظاهرة القبيحة الى أية أمة، صادقة أو كاذبة، فان التصدي لها فكريا أو عسكريا وأمنيا سيكون من أولى واجبات أبناء تلك الأمة المتهمة، لاسيما المعنيين بالظاهرة، أي المسلمين في هذه الحالة وعلماء الدين بشكل خاص.

وكلنا نعلم دون شك أن رسالة داعش الارهابية تتناقض كليا مع رسالة الاسلام الهادية الى النور والرحمة. أما وجه التناقض فسافر باد للعيان قبل العقول والبصائر، ذلك أن داعش منهجه في الحكم، القسوة وذبح الرؤوس، وترعيب المواطنين، وسلب النساء الكريمات حقوق الحياة وحجزهن في الأسر الا لأغراضهم الاجرامية ، أما الاسلام فمنهجه يبدأ بالسلام على الجميع، والله يدعو الى دار السلام، ومنهجه الرحمة والمغفرة، ففي الوقت الذي يهين داعش كل انسان يقع تحت قبضته خالف قاعدة بسيطة لاوزن لها لا في الفقه ولا في العرف كا للحية وشكل الملابس والدخان، فيوقع عليه أقسى أنواع العذاب أمام الملأ دون رحمة، فان الاسلام بنص القرآن الكريم يشيع مبدأ المغفرة والعفو فيما عدا الشرك بالله تعالى .

 وحيث ان القرآن الكريم كلام الله ولاريب فيه، والله يعلم كيف خلق الانسان محمولا بعوامل الرغبة الغريزية التي تلصقه  بمغريات الحياة الدنيوية بحيث قد يفلت من يديه التوازن المطلوب مع عناصر الارادة الخيرة فيه، فان رحمته البالغة لم تفرض عليه الطهارة من جميع الذنوب ، بل منحه الحرية الواسعة للتصرف المتوازن حتى التقرب من دائرة الممنوعات لأي سبب، شريطة التزامه بالنظام العام وعدم اختراقه لحدود ماتصفه الشريعة الاسلامية بالكبائر والموبقات التي من شأنها العدوان على الآخرين و تقويض الأمن الاجتماعي، وهذا ما يدل عليه بوضوح قوله تعالى " ان تجتنبوا كبائر ماتنهون عنه نكفر عنكم سيئاتكم وندخلكم مدخلا كريما "النساء 31

 هذه المقدمة لبيان أن حقيقة داعش غير حقيقة الاسلام، فلا صلة لداعش من حيث أهدافه ووسائله الشريرة بالاسلام الذي جاء ليقوم الناس بالقسط  وليحكموا بالعدل. واذا كان الأمر كذلك فلماذا يتهم الدين الاسلامي بالارهاب؟ ومن المسؤول عن انتاج داعش وآثاره الرهيبة؟

أما أن منظمة داعش ارهابية فهي أوضح من الشمس في رابعة النهار،فجرائمها وانتهاكاتها الخطيرة لكرامة الانسان، والرعب الذي أشاعته في العالم كله، ربما سترشحها لجائزة أخطر منظمة ارهابية اجرامية شهدها قرن أو قرون، لما خلفت وتخلف من آثار سيئة في الاستقر ار العالمي من شتى نواحيه، ناهيك عما فعلت بالعراق وسوريا واليمن وليبيا وباقليم كوردستان وغيرها.والقائمة طويلة،وتفاصيلها فظيعة، و من أفظعها سوق البنات الايزيديات الكريمات الشريفات الى أحضان المتوحشين المجرمين أو بيعهن في سوق النخاسة، بحجة الشرعية الفقهية المزيفة، وتفجير الأطفال غير البالغين وسط الأبرياء، ولن ينسى التاريخ ذبح قس عجوز في محراب معبده في فرنسا .

أما لما ذا يتهم الدين الاسلامي بالارهاب فلأنهم ينتمون في خلفياتهم الى هذا الدين، فهم ليسوا مسيحيين ولا يهودا أو هندوسا أو أي دين آخر، يرددون شعارات الله أكبر مع كل جريمة يرتكبونها، ويحاسبون النا س على أساس مزعوم من الكتاب والسنة، ويكفرون الآخرين ويحكمون بارتدادهم ليبرروا قتلهم، كل ذلك بفتاوى ينسبونها الى ابن تيمية أو فقيه سلفي آخر. والحق أن كل هذه الفتاوى مبتورة من سياقاتها وظروفها، ثم، ان موضوعاتها من سنن البشر وأعرافهم، وهي تتغير مع تغير المعايير الحضارية للأحسن والأسوء بتغير الزمان والمكان ، وقد تكون لها قيمتها في سياق ظروفها، ولكن لا قيمة لها اطلاقا في الظروف الحالية. ثم لاقيمة حقيقية أيضا للحكم بقتل المرتد دينيا مادام القرآن الكريم يقول صراحة ( لا اكراه في الدين ) والقرآن حجة قطعية، ليس من شأن أي خبر آخر لايوازيه قوة  التعارض معه من هذه الحيثية.

وسواء حكمنا بالقطع على أن الدواعش ليسوا مسلمين بالاستناد الى أنهم أشرار ووحوش، لم يسلم الناس من ارهابهم، أو لم نحكم بالاستناد الى شعاراتهم وخلفيتهم السلفية الجهادية، فالواقع انهم قد ولدوا أو نشأوا في أحضان التراث الفقهي الخاص بفترات من التأريخ الاسلامي، شاعت فيها حروب وهجمات متقابلة، طبقت عليها سنن البشر، وفي الوقت الذي كان العرف لايزال يقر الغزو واقتحام الآخرين كلما شعر القوي بامكان تغلبه على الآخر ، وكان للمنتصر الحق في استعباد المغلوب عليه عبدا أو جارية واستملاك الغنائم، هكذا كانت سنة البشر، قبل أن تبزغ شمس الحضارة الجديدة التي أرست الحرية وحقوق الانسان.

 ومن المؤلم أن  الفقه الاسلامي ظل يجري على هذه السنة دون مراعاة لتغير الظروف والمصالح، اكتفاء بتقليد المجتهدين لقضايا أزمنة غابرة، لم تعد تشبه لا من قريب ولا من بعيد المستجدات الحضارية ،ورغم أن القرآن الكريم حث على انهاء الرق وسماه العقبة( وما أدراك ما العقبة  فك رقبة ) وهو العرف الذي لم يقض عليه نهائيا، وظلت العبودية سنة جارية حتى حرمها لنكولن رئيس الولايات المتحدة الأمريكية عام 1862 ، ورغم أن الفقه الاسلامي نفسه أقر بالفرق بين الثوابت والمتغيرات، وقرر قاعدة ( تتغير الأحكام بتغير الأزمان )  وأن القرآن الكريم يدعو المسلمين الى اتباع الحكمة وكل ماهو أحسن، بل الحكمة وردت في القرآن الكريم رديفة ومكملة لآيات الكتاب المبين ( ويعلمكم الكتاب والحكمة ) وقد استقرأ الفقهاء فوجدوا أنه حيثما تكون الحكمة فثم شرع الله، والحكمة ضالة المؤمن أينما وجدها التقطها .

أما السؤال المهم فهو ما الذي أنتج داعش؟ وهل يكفي مافي عبارات متروكة في كتب التراث الفقهي من أفكار تؤسس للتشدد والعنف ورفض الآخر انعكاسا لمقتضيات تلكم الظروف والأعراف، هل يكفي لبناء مؤسسة  تقيم دولة عظمى لا على الأسس الحضارية الانسانية التي تنافس الحضارة العلمية القائمة، بل على الأسس التي تؤكدها تلك الأفكار التي تعبر عنها تلك العبارات المعزولة عن الحياة والتي لامكان لها في حضارة العلم والأخلاق ؟

لا أبحث هنا عن اللعبة الدولية اللئيمة، مع أني لا أستبعد التخطيط المسبق لتآمر متعدد الأبعاد، يهدف الى ازاحة حيوية الأثر الاسلامي في اعادة بناء العالم الاسلامي ، ويقضي على أية منافسة قد يتولاها هذا العالم الغني بطاقاته البشرية والمادية كما كان الأمر كذلك مدة طويلة. والذي يهمني هنا حجم الكارثة المروعة التي سببتها داعش لأمن العالم كله، وكادت تغرق العالم الاسلامي وغير الاسلامي في بحار من الدماء وحالة رهيبة من العنف ورفض الآخر استنادا الى رؤى مغلوطة أو مبنية على ظنون، مشوهة لحقائق الاسلام، يروجها المتشددون أصحاب الصوت العالي، كأنها هي الاسلام ، وغيرها بدعة وكل بدعة ضلالة وكل ضلالة في النار. وهنا لابد أن نذكر بالفخر والاعتزاز والاكبار التضحيات الجسيمة التي قدمتها بيشمركة كوردستان الأبطال الذين وقفوا سدودا منيعة أمام تمددهم الارهابي نحو كوردستان والعراق بل العالم.

 ولم يعد يخفى على أحد أن دولة الخلافة المزعومة لم يعرف رجالها بالعلم ولا بالحكمة، ومبلغهم من العلم وريقات أو كتب سطحية تحتوي على أحاديث لم تثبت يقينا، ونسبتهم الى السلف الصالح زور وبهتان، فهؤلاء ارهابيون أشرار والسلف الصالح أنوار وأخيار، ومع ذلك يبتغون اختطاف الاسلام لصالح فرض رؤيتهم الحشوية المغلقة الخالية عن العقل والمنطق، وفرض منهجهم العنيف الرافض للآخر، ولكل المعايير الانسانية الحضارية في الحكم والعلاقات الوطنية والدولية على أساس أن رؤيتهم هي التفسير الصحيح الوحيد للاسلام  مستدلين بفتاوى فقهية أو اجتهادات لفقهاء صدرت في حينها لظروف ربما كانت تقتضي ذلك ولا ينكر تغير الأحكام بتغير الزمان أو بنصوص مبتورة عن سياقاتها. 

 والحق أنه ليس لرؤيتهم هذه المنفرة لطبائع البشر صلة بالاسلام القائم على السلام والانفتاح والتعددية ، وأعني الاسلام الذي أوحاه الله الى نبيه محمد عليه الصلاة والسلام.ومع ذلك مايجري في ظل هذه الدولة الرهيبة من ترويج لتلكم الرؤى التراثية الفقهية كجهاد الطلب ووجوب اللحية، وفرض زي معين للرجال والنساء وكراهية الآخر، والحكم بالارتداد والتكفير لمجرد عدم الالتزام بتعاليمها، وقتل المرتد وما يجري مما وراءها من تمسكات أو مناصرة لشباب من مختلف الأقطار والأقوام لهذه الخلافة المزعومة الى حد التضحية بالنفس أي الانتحار، يفضح مدى فعالية التراث الفقهي في هذه الظاهرة المتنافرة مع الفطرة الانسانية السوية، وهي الاسلام نفسه، رغم أن التراث مجموعة اجتهادات وتفسيرات ظرفية لا ترقى الى الالزام أبدا.

وفيما يأتي نتناول بعض المغالطات التي يخدعون بها السذج من البسطاء.

أولا – دولة الخلافة الاسلامية:

بعيد سقوط الدولة أو الخلافة العثمانية بقليل بدأ الاسلام السياسي أو المعنيون بهذا الشأن يثيرون قضية الخلافة ونظامها على أساس أنها رمز للكيان الاسلامي، وعلى المسلمين جميعا العمل لاعادة النظام الاسلامي أي الخلافة الى الحياة ،وكأنهم أشعروا كل مسلم بأنه سيظل مسؤولا دينيا أمام الله ان لم يكن في ذمته بيعة لخليفة، وروجوا مايروى من أنه من مات ولم تكن في ذمته بيعة مات ميتة جاهلية، أي انه في حالة ذنب وقصور مادام الأمر كذلك، وبهذا كسبوا أنصارا لأهدافهم السياسية لاسيما بين المسلمين المشحونين بالتعلق بهذه الفكرة ، وقد عملوا كل هذه الفترة الطويلة لاشعار المؤمنين بأن الدولة الاسلامية الصحيحة هي دولة خلافة لا جمهورية ولاملكية، وأن دولهم الوطنية ليست بدول اسلامية، كل ذلك من أجل ارساء حاجز ديني  يكون عازلا بينهم وبين الولاء لدولهم ومن أجل التعبئة العامة النفسية بغية الوصول الى حالة التعطش الى احياء نظام الخلافة . ومن هنا كان الشعور العام الاسلامي العاطفي مستعدا لاستقبال هذه الدولة دون التدبر في عواقبها ودون اعتبار للتحول الجذري الجاري في المجتمع الدولي ، وكان صعبا على رجال الدين المتابعين للنبض العاطفي العام الوقوف بحماس ضد دولة كل شعائرها ومظاهرها تحكي اسلاما ليس بغريب في تراثهم الفقهي  ، لاعتبارات  شخصية غير دينية، وغير علمية.

ومرة أخرى، نشعر بالاعتزاز بعلماء كوردستان الذين أدركوا منذ البداية أن الارهابيين هم أعداء الاسلام، شوهوا صورته، وقلبوا معانيه، وما تركوا منكرا شرعيا ولا عقليا الا اتخذوه منهجا لهم، فقد خبروهم من قبل في 1 شباط 2004 المصادف آنذاك عيد الأضحى المبارك فاغتالوا بعمل انتحاري مزدوج دنيئ وسط المحتفلين بالعيد الديني الكبير كبار رجال كوردستان، من كل الأصناف، وفي هورامان حين تمكن الارهابيون من موضع قدم لهم في جبالها، فعاثوا فيها ما يعيثون اليوم في الموصل التي اقترب باذن الله تحريرها، بل نبهوا الناس في منابرهم على خطورة المنهج الداعشي على الاسلام وكوردستان. ومن شذ شذ في النار.

والحق أن هذا المظهر أي الخلافة ليس الا تضليلا، فما هي بكتاب ولا سنة ثابتة ولا قال أحد لا في السلف أو الخلف ولا فقيه معاصر أن الخلافة هي النظام الشرعي الوحيد للمسلمين، فالشريعة لم تحدد طبيعة النظام السياسي، بل اكتفت بوضع الخطوط العريضة والمبادئ الكلية كالعدل والمساواة، وليس في التراث الاسلامي ما يقيد المجتمعات والأجيال اللاحقة به فيما عدا القيم العامة من الأخلاق الكريمة. ولكل مرحلة حضارية ما يناسبها من نظم وتشريعات في اطار كليات الشريعة والقواعد الانسانية العامة. والنظام السياسي من المتغيرات ، فلم يكن من الحكمة تحديد شكل معين للنظام الذي من طبيعته التغيرحسب الظروف . ثم ان تأريخ هذا النظام لا يعكس اطلاقا  مبادئ الاسلام وسماحته وعدله الا في فترات قليلة من التأريخ الاسلامي.

وكما أن التأريخ لم يقدم أية صورة انسانية اسلامية مشرقة لعهود الخلافة فيما عدا الراشدين، فان دولة داعش التي تزعم أنها دولة الاسلام الحقيقية، وأعداؤها كفار، قد جعلت الخلافة نموذجا للقتل والتدمير والرعب، فقد طحنت، مدة سنتين فقط، عشرات الألوف من المسلمين الأبرياء ، وذبحت دون رحمة وأحرقت دون شفقة، واستعبدت الأحرار من الايزيديين، وهدمت صوامع وبيعا يذكر فيها اسم الله. وبدلا من أن تصحح الصورة التأريخية المشوهة للخلافة، فقد أجهزت دولة داعش على أية بارقة أمل في نظام باسم الخلافة، وكل ما أنتجته  مناف ومناقض لكرامة بني آدم بما ارتكب وترتكب من مجازر وحشية، وأساليب مقززة في الحكم.

ثانيا -  تحريف مفهومات قرآنية ذات شأن كمفهومي الجهاد والحاكمية:

1 – الجهاد الاسلامي في حقيقته هو الاستعداد المستمر للدفاع عن الوطن والملة ولا يعني أبدا الهجوم العدائي على الأبرياء ، والغالب من الفقهاء يحصرونه في الدفاع، والجهاد الأكبر الذي يعتبر هو الفريضة الغائبة ان صح التعبير، هو جهاد النفس، وجهاد النفس يعني طهارة  الروح، وثقافة التعايش والتعاون والتعارف مع الآخر . والدليل على هذا آيات بينات في سورة البقرة ( وقاتلواالذين يقاتلونكم ولا تعتدوا ان الله لا يحب المعتدين ) وقوله تعالى ( لاينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم في الدين ولم يخرجوكم من دياركم أن تبروهم وتقسطوا اليهم ان الله يحب المقسطين) فكل ما في الاسلام دينا هو التعايش الودي مع الآخر المسالم والقسط لا العدوان، والسلام لا الحرب ( وان جنحوا للسلم فاجنح لها ) أما ماورد في بعض آيات القتال وبعض السيرة في الغزوات النبوية مما يفهم منها منحى الغلظة والشدة فلايصح عزله عن سياقه وظرفه والموقف  الهجومي المعادي للآخر. ولا يمكن عزل الحروب التأريخية دينية أو لأي سبب آخر عن السنة البشرية في أن الملوك اذا دخلوا قرية أفسدوها، ومع ذلك يعتبر المؤرخون أن حروب المسلمين كانت من أرحم الحروب ، وربما كانت حروب صلاح الدين الأيوبي القائد الكوردي المسلم من النماذج النادرة من حيث الاعتبار للقيم الانسانية في التأريخ.

وحيث ان حرية الدين مكفولة ومؤكدة بآيات بينات قاطعات منها (لا اكراه في الدين ) البقرة 256  ( فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر ) سورة الكهف29 فلا أساس لما يروجونه للتضليل بأن الجهاد بالمعنى الهجومي واجب.والأمر الخطير هنا هو أنه لاتزال المدونات الفقهية المختلفة تؤكد أن على المسلم الغزو أو يستعد له. وربما كان هذا الكلام مفهوما في عهود كان الغزو هوالعرف بين القبائل، أما بعد التطورات الاجتماعية والدولية وانبثاق مواثيق الامم الانسانية فالمسألة لاتعدو الا أن يكون حربا مفتوحة ضد الحضارة والمدنية.   وبهذا التضليل سببوا الكوارث المميتة والتراجيديات المخيفة للعالم و للعوائل المسلمة وغير المسلمة الآمنة.

 ولكن ،كما روي عن الامام علي رضي الله عنه أنه من غزي في عقر داره فقد ذل، فالتأريخ يؤكد أن الأمة التي لاتقاوم المعتدين تبقى ذليلة مستضعفة، فالجهاد روح المقاومة ولا عدوان فيه، وهو دفاع والدفاع حق شرعي في كل الشرائع والقوانين. والخلاصة أن الجهاد بمعنى الدفاع عن الوطن والدين واجب، وبمعنى الغزو والنهب سنة بشرية مارسها الطغاة والأقوياء من القبائل والامبراطوريات منذ قديم الزمان.

2 – الحاكمية:

خلق الله الا نسان مبتلى بالمسؤولية ( وحملها الانسان ) وأودعه غرائز تشوقه الحياة وتجعل نفسه الأمارة بالسوء متسلطة، وملكه العقل الذي به يستطيع أن يعيد التوازن  بين ما هو خير وبين ماهو شر، وبعث الرسل لهدايته الى طريق ربه. ومن عناصر المسؤولية حريته في تنظيم أوضاعه القانونية الدنيوية وفقا للعدل الذي تؤكده الشرائع السماوية والوضعية. أما تضليل الناس بأن حكم الانسان لنفسه بالعدل كفر ولا حكم الا لله بتفسيرهم فأمر شنيع لا أساس له. وقد فصلت موضوع الحاكمية في مؤلفي تجديد الموقف الاسلامي في الفقه والفكر والسياسة بشكل لم يبق فيه اللبس، والخلاصة أن آيات الحاكمية لم تفسر وفقا لسياقاتها، وأن المقصود بالآية الكريمة ( ان الحكم الا لله ) هو الحكم التكويني الذي يعبر عنه بالقضاء والقدر لا الحكم التشريعي أوغيره، كما يدل عليه بوضوح سياق الآية الكريمة (يابني لا تدخلوا من باب واحد وادخلوا من أبواب متفرقة  ان الحكم الا لله ) ولكن المتشددين التكفيريين كالداعشيين لا يتورعون في تكفير الحكام والناس الذين يطبقون أو يشرعون القوانين الوضعية، مع أن المعيار الاسلامي للحكم هو العدل لاغير.

ثالثا -  الاسلام نفسه دين تواصل مع الآخرين ودين تعارف، بل جعل التعارف الذي من لازمه قبول الآخر والتواصل معه هو حكمة التعدد في الانسان وحكمة توزيعه على شعوب وقبائل، ولغات وألوان ومشارب مختلفة،وذلك فى آية الحجرات ( انا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا   ) والتعارف لا يتحقق برفض الآخر وذبحه، بل بالتقرب اليه والتواصل معه، وما كان الرسول الكريم عليه الصلاة والسلام داعي عزلة عن الآخرين، وفي ميثاق المدينة قرر النبي الكريم العيش مع اليهود وغيرهم على أساس التعاون ، للمسلمين دينهم ولليهود دينهم، وجاء في القرآن الكريم أن الناس بمختلف أديانهم متساوون أمام الله في العطاء كما قال تعالى في سورة الاسراء ( كلا نمد هؤلاء وهؤلاء من عطاء ربك وما كان عطاء ربك محظورا ) ولكن المؤسف أن الجانب الأكبر من تراث الفقه الاسلامي بمعناه الواسع قد أبرز الجانب المتشدد في العلاقة مع الآخرين في الدين بالاستناد الى مقتضيات الظروف غير العادية التي تفقد الثقة بين الأطراف، وهي حالات استثنائية ما كان من المقبول أن يترك المبدأ العام القرآني وسيرة الرسول الكريم في احترام كرامة بني آدم، واشاعة السلام بينهم، والتعارف والتعارف، من أجل وضع استثائي اقتضته ظروف طارئة في حالات الحرب، كما هو الحال في الولاء والبراء،. وفي هذا يقول الشيخ محمد الغزالي: يجيئ أحدهم الى هذه الآية (ياأيها الذين آمنوا لا تتخذوا اليهود والنصارى أولياء    ) سورة المائدة 51  فيبترها عما قبلها وما بعدها، ليفهم منها أن الاسلام ينهى نهيا جازما عن مصادقة اليهود والنصارى، ويوجب قطع العلاقات معهم. والمعنى بهذا التعميم باطل، والآيات اللاحقة بها تحدد الموضوع بجلاء. فيقول الشيخ " ان هذه الآيات نزلت تطهيرا للمجتمع الاسلامي من ألاعيب المنافقين، ومن مؤامراتهم التي تدبر في خفاء لمساعدة فريق معين من أهل الكتاب أعلنوا حربا شعواء واشتبكوا مع الدين الجديد في قتال، فاليهود والنصارى في هذه الآية قوم يحاربون المسلمين فعلا " فالذين عناهم القرآن الكريم في الآيات التي ظاهرها الانتقاص من الآخر، هم المحاربون، او الذين دبروا المكائد للقضاء على الاسلام في مهده. ولا عبرة اطلاقا بالفتاوى الفقهية التي تشرع التمييز لأن مردها في حقيقتها الظروف السياسية والاجتماعية والتأريخية التي كانت تبررها وتشجعها.  

وفي أمثلة أخرى يترك المبدأ العام القرآني في أن الناس سواء لمجرد الانتصار لرأى فقهي سائد منها :

آ – قوله تعالى ( ولن يجعل الله للكافرين على المؤمنين سبيلا ) سورة النساء 141 .

تمسك بهذه الآية الكريمة المتشددون في قضية الولاء بتحريم انفتاح المسلم مع غيره، بقبول شهادته أو قضائه، أو أي منصب سيادي يفرض الولاء عليه ، بل لايجوز لغير المسلم  حسب هذه الرؤية أن يكون غير المسلم محتسبا أي يتولى ميزان الخدمات في السوق كا لبلدية مثلا.

وكنت ناقشت رسالة دكتوراه في الشريعة استدل صاحبها الفاضل بهذه الآية كغيره على أحكام مفادها قطع جسور التعاون والاتصال بين المسلم وغيره بشكل حضاري مع أن الناس جميعا اخوة في الخلق الانساني كما قال الامام علي ، وكلهم عباد الله، فقلت للباحث لايمكن التعارض بين الجعل الالهي والواقع، والغلبة والنصر سجال، والتأريخ والواقع شاهد على أن الله سبحانه قد جعل الظفر والانتصار للكافرين في بعض الهجمات كما وقع في سقوط بغداد ابان غزو هولاكو، وسقوط الأندلس وغيرها كثير يمتد الى الآن.

فتدبرت سياق الآية وعلمت أن هذا الوعد أخروي وليس بدنيوي، وهو ما نقله الامام الرازي في تفسيره عن الامام علي كرم الله وجهه كما يوضحه سياق الآية.

والذين يسندون فتاواهم المتشددة الداعية الى العزلة عن الآخرين الى هذه الآية محكومون بأفكار مسبقة تحول دون قراءة موضوعية في ضوء السياق ، ففي سياق هذه الآية وضوح كامل في الانفتاح على الآخر اذ يتوجه الى ترحيل الاشكالات الدينية بين المختلفين في الدين الى يوم الجزاء، وهو يوم الدين " فالله يحكم بينكم يوم القيامة " وقد فصلت هذا الموضوع في بحث لي منشور في مؤلفي " دروس في الانفتاح على الرأي الآخر."

ب – بغية شحن البسطاء من عوام المسلمين بكراهية الآخر، يبترون جزء من المشهد القرآني ويخفون المشهد الآخر الذي يوضح الصورة الكاملة، فيذكرون هذا المقطع مثلا " وقاتلوهم حتى لاتكون قتنة ويكون الدين كله لله " ، ويخفون أن هذا المشهد هو جزء من رؤية عامة تبدأ بالآية الكريمة في سورة البقرة " وقاتلوا في سبيل الله الذين يقاتلونكم " ويخفون أيضا مقطعا آخر في المشهد القرآني نفسه " يبين خصوصية هذا القتال وهو " وأخرجوهم من حيث أخرجوكم " البقرة 190 – 193 .

   ج –  في ضوء ما جعلوه من قبيل المسلمات الفقهية في عدم الاعتراف بالآخر لم يقروا الحكم القرآني الواضح بقبول الشهادة من غير المؤمن بالاسلام في قوله تعالى ( ياأيها الذين آمنوا شهادة بينكم اذا حضر أحدكم الموت حين الوصية اثنان ذوا عدل منكم أو آخران من غيركم ) والتفسير الجلي هو أن الشاهد اثنان من المسلمين أو اثنان من غير المسلمين. وحيث ان هذا التفسير لاينسجم مع الثقافة العامة التي سادت طويلا لظروف معروفة حول الابتعاد عن الآخر لم يجر عمل فكري باتجاه البعد الانساني المنفتح في التفسير، فبدلا من أن تكون هذه الآية الكريمة دليل انفتاح ظلت، حتى في هذا العصر القائم على الانفتاح، دليل تشدد وانغلاق، حتى قال بعضهم انه منسوخ للتخلص من تبعاتها ، نسختها آية " وأشهدوا ذوي عدل منكم " وهذا غريب في منطق العقل والدين والله أعلم.

رابعا – مع أن العقول الفقهية والفكرية التراثية التي ضمت أمثال أبي حنيفة والشافعي ، والقاضي عبد الجبار المعتزلي، وامام الحرمين الجويني، والباقلاني، والغزالي، والقرافي ، والشاطبي، وابن خلدون، وابن رشد، ومئات من العقول المبدعة قد أبدعت في بناء منظومة فكرية وفقهية كانت ولاتزال من المصادر الغنية للمعرفة، الا أنهم عاشوا في عصورهم ، وهم بشر ما كان باستطاعتهم أن يتنبأوا بما ستنتجه الأيام من حضارة بشرية يصبح العالم كله عندها في قرية

فلامناص من السعي للاتفاق على صيغة جامعة كما هي الحال في ميثاق الأمم المتحدة، ومعاهدات حقوق الانسان، ولابد  أيضا من مغادرة القيم التي رسختها سنن البشر بين الأمم والشرائع مما لم تعد منسجمة مع مصلحة الانسان ووجوده . وأقصد بذلك التمييز بين سنن البشر القابلة للتغيير، وسنن الله التي لن تجد لها تحويلا، اهتداء بالتنبيه القرآني الى هذه الحقيقة حيث قال سبحانه  في سورة النساء ( يريد الله ليبين لكم ويهديكم سنن الذين من قبلكم  ). وهكذا نجد اشكالات لم تعالج بالتفصيل منها:

هل ميز أحد بين حكم في الاسلام مصدره عادات العرب مما استقر عليها أوضاعهم، ولم تتناقض مع الدين، وبين ما هو وحي ؟

مع أن الرق والعبودية لا تلتقي مبادئ الرحمة والعدل والانسانية الراسخة في الاسلام، وأن القرآن الكريم حض المسلمين بشكل بليغ ومؤثر، ولكنه حر، على فك الرقبة لا ذبح الرقبة ( فلا اقتحم العقبة  وما أدراك ما العقبة  فك رقبة ) سورة البلد، ظلت كتب الفقه الاسلامي تبتدع نظريات فقهية وأصولية لضبط نظام العبودية، وما تجرأ أحد ليقول ان هذا النظام ليس بنظام الهي ، بل هو من سنن من قبلنا، وأن الاسلام لم يات به بل أتى بما يحث على رفضه. وفي الأدب الاسلامي يعامل كأفراد العائلة الى أن تفك رقبته. وان قيام داعش بهذه السنة البشرة القديمة بالاستناد الى التراث الفقهي حيث طبقها بخبث على الأحرار الايزيديين والكريمات اليزيديات سبب ألما وعارا لنا نحن المسلمين. وهو ما يهلل له المستشرقون الحاقدون.

كذلك، بشكل عام يجري الاستناد الى حديث يسند الى النبي ص دون التحقق فيما اذا كان الحديث صادرا بصفة الرسالة أو بصفته عليه الصلاة والسلام بشرا، وكان النبي يقول " انما أنا بشر اذا أمرتكم بشيئ من دينكم فخذوا به واذا أمرتكم بشيئ من رأيي فانما أنا بشر " وفي الآية الكرية أيضا " قل انما أنا بشر يوحى الي   ".

وبعبارة أخرى، هنالك خلط واضح بين هذه الامور الاتية:

1 – الخلط بين القطعي والظني.

2 – بين الفقه والشريعة.

3 – بين ما قاله النبي بصفته رسولا وما قاله بصفته بشرا.

4 – بين المتغيرات والثوابت.

ولهذه كله، تمكن المتشددون من الآتي:

1 – اقصاء البعد الانساني العميق في الفكر الاسلامي، واحلال صفة الرعب فيه.

2 – تغليب القضايا الظرفية المحصورة في نطاق ضيق من الزمان والمكان على القضايا الحياتية المستمرة.

3 – تحريف مفهومات قرآنية ذات شأن عن مقاصدها كالجهاد مثلا.

4 – تحويل مباحات سكت عنها الشرع والاصل الاباحة الى فرض ديني كالشكل والزي. وهذه هي البدعة الضالة .

 

الدكتور محمد شريف

رئيس منتدى الفكر الاسلامي في اقليم كوردستان