د. جعفر گوانی التقيت به قبل سنوات في كواليس مؤتمر التقريب بين المذاهب في طهران، عرفته رجلا متواضعا، بل ربّما مفرطا في التّواضع، مبادرا بالحديث على الرّغم من تقدّمه في السنّ، كان يتحدّث بصورة هادئة منظّمة ولا تنفصل الابتسامة عن محيّاه، وحينما بدأ بالحديث رأيت منه شخصية مختلفة، شخصية وسطيّة لا ترى منه كثير الفرق بين كونه شيعيا وتعامله سنيا، هذا هو الشّيخ جواد الخالصي، ولم ألتق به مرّة ثانية، لكن كلماته الجميلة وكلامه المليء بالمسؤوليّة لا تزال باقية في أذهاني، وكلّما أتذكّر هذا المؤتمر أتذكّر الشيخ الخالصي، إذ لاحظت منه عدم الانحيازيّة والنَّفَسَ الإسلامي وروح التّوفيق والتّقريب مع جميع المكوّنات. ولا أخفيكم أنّني تعجبّت إلى حدّ الاندهاش حينما سمعت في الأسبوع الماضي أنّ الشّيخ جواد الخالصي أصدر فتوى على صورة تصريح صحفي يرفض فيها الاستفتاء المزمع إجراؤه في الإقليم، ويرى عدم شرعيته في أيّ وقت من الأوقات، وفي حال حدوث ذلك يجب أن يشمل جميع العراقيين، والأغرب من هذا كلّه ربطه الاستفتاء بالمشروع الصّهيوني السّلاح الحاضر لتوجيهه صوب الشّعب الكوردي في جميع مراحل الدّفاع عن أرضه المغتصبة، والأخطر من ذلك كلّه رؤيته إلى مستقبل الكورد حال الاستقلال كأنّها تشبه حال جنوب السّودان، وتحوّل كوردستان ساحة حرب ودمار وهلاك، واضطرار الشّعب الكوردي إلى التّشرّد في الدّاخل والخارج. أقول وبكلّ صراحة أنّ هذا التّصريح لا يليق بتاتا بمقام شخص مثل الشّيخ الخالصي، لأنّه بمثابة فتوى نارية، كأنّه يخاطب الشّعب الكوردي كي يوقف حديثه عن الاستفتاء والاستقلال، لأنّهم يرونه مشروعا صهيونيا وبهذا يهدر دم الشّعب الكوردي لأنّهم حلفاء ومتعاونون مع العدوّ اللدود الصّهيوني، وها هم وضعوا يدهم في يد العدوّ الأكبر وخضعوا لمشروعهم الانفصالي، وفي حال عدم الاستجابة لهذا الطّلب، فقد أفتى الشّيخ بتشريد الكورد وقطع أرزاقهم. كان على الشّيخ الفاضل أن يبحث عن الأسباب الّتي دفعت الشّعب الكوردي لكي يختار الانفصال، ألم نكن معا في حكم العراق بعد السّقوط، ألم نقف معا ضدّ الإرهابيين، ألم يختلط الدّم الكوردي مع الدّم العربي والتركماني والسرياني... في ميادين ردّ العدوان واسترجاع الأرض المغصوبة، أَمَا أتيحت فرصة الانفصال بعد تحرير العراق وسقوط النّظام البائد؟، لكنّ الشّعب الكوردي قيادة وقاعدة فضّل البقاء في دائرة عراق موحّد؟!. كان على الشّيخ الفاضل أن يخاطب الحكومة العراقية والسّاسة العراقيين، لماذا قطعوا عرق الحياة من الشّعب الكوردي؟!، لماذا قطعوا الرّواتب؟! ولماذا أخلوا المؤسّسات الحكومية من الكورد إلاّ في مراتب دنيا؟! ولماذا قطعوا الطّريق أمام وصول سلاح الغربيّين إلى قوّات البيشمركة وهي تقاتل أشرس النّاس على المعمورة؟!.... ولماذا هذا الخوف من الاستفتاء، وهو ليس إلاّ إدلاءً بحقّهم ورغبتهم، دَعُوا الشّعب الكوردي والشّعوب القاطنة في إقليم كوردستان أن يقرّروا مصيرهم، إذا كان العراق فعلا دولتهم وبيتهم الكبير فسيصوّتون بالبقاء، وإذا اختاروا الانفصال فلا تنظروا إليهم بعين اللّوم، ربّما أنّهم لم يجدوا من العراق الجديد سوى امتداد سلسلة العراق القديم، عراق الخراب والدّمار للشّعب الكوردي، عراق الأنفال والتّهجير والتّجويع، وربّما اختلفت صور المآسي، وإذا استطاعت الحكومة العراقية طمأنة الشّعب الكوردستاني فيسيبقون مع العراق اختيارا ويفضّلون عراقا قويّا على دولة صغيرة هشّة (كما يصفها الشّيخ). نتمنّى من شيخنا الفاضل مراجعة فتواه، وأن يراعي شعور آلاف من علماء كوردستان وملايين من أبناء هذا البلد الجريح، هذه الأرض الّتي وجد الشّيخ منها طريق النّجاة من طوق النّظام البائد، واستراح في أحضان هذا الشّعب المظلوم. ناهيك عن موقعه الدّيني والعلمي، ولا أريد إفاضة النّصوص الإسلاميّة الدّاعية إلى العدالة والحريّة والنّاهية عن الاضطهاد. *عضو المكتب التّنفيذي لاتحاد علماء الدّين الإسلامي في كوردستان هذا المقال منشور في جريدة التآخي العدد (7427) يوم (2017-8-27). |